أسال الله أن يجعلني وإياكم ممن له فيه حظ القبول والمغفرة، قد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- عن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: «صَعِدَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمِنْبَرَ فَلَمَّا رَقِيَ عَتَبَةً قَالَ: آمِينَ. ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً أُخْرَى، فَقَالَ: آمِينَ. ثُمَّ رَقِيَ عَتَبَةً ثَالِثَةٌ، فَقَالَ: آمِينَ. ثُمَّ قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ. قَالَ: وَمَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْتُ: آمِينَ. فَقَالَ: وَمَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ قُلْ آمِينَ، فَقُلْتُ: آمين» [رواه ابن حبان2/140].
وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [رواه البخاري (38)، ومسلم (760)]، وفي رواية أخرى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» [رواه البخاري (37) ومسلم (759)].
إذا تبين ذلك، فإن شهر الصيام شهر واحد في السنة، شهر عظمه -عز وجل- وجعله مباركًا، وجعل فيه إنزال القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة : 185].
وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- في رمضان جوادًا بالخير، أجود فيه من الريح المرسلة، وكان يعارضه جبريل بالقرآن، يعني: يقرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- من محفوظه، وجبريل يسمع، حتى إذا كان العام الذي توفي -صلى الله عليه وسلم- مع عرض القرآن على جبريل مرتين بلغة قريش.
فشهر رمضان وصفه الله بأنه شهر القرآن، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان كثير التلاوة فيه وهذا يدل على أن التلاوة فيه، مفضلة ولهذا كان هدي السلف أن يكثروا من القراءة، فكان منهم من يختم كل ثلاث في رمضان، وكان منهم من يختم كل يوم وليلة، ومنهم من كان يختم في اليوم والليلة ختمتين.
قال العلماء: هذا لا يخالف ما جاء في الحديث من النهي، أو عدم الترغيب في ختم في أقل من ثلاثة؛ كقوله: «لَمْ يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ» [رواه الترمذي (2949)، وابن ماجه (1347)]؛ لأن هذا يحمل على كل من كان وصفًا غالبًا عليه؛ أما من استغل الزمان الفاضل أو المكان الفاضل بزيادة في الزمن، أو نقص في الزمن عن الثلاث هنا لا بأس به، وعليه يحمل هدي السلف.
فقراءة القرآن، وكثرة التلاوة أفضل من ترداد المحفوظ، إلا إذا كان إن لم يردد المحفوظ يخشى أن ينساه، أي: يخشى أن ينسى القرآن إذا اشتغل بالتلاوة، ولم يردد محفوظه فنسيان القرآن خطيئة، تعمد المرء ترك القرآن حتى ينساه ذنب وخطيئة؛ فلهذا يقدم هذا لمن كان حافظًا يخشى النسيان.
فإذًا، تحصل من الجواب أن الأفضل كثرة التلاوة استغلالًا للزمان الفاضل؛ لأن له بكل حرف عشر حسنات، واستغلال الزمان كله، ويكون أيسر عليه لو قرأ بدون أن يردد، وأما إذا كان حافظًا، فالأفضل له أن يحافظ، ويردد ما يحفظه سلفًا. وفق الله الجميع لما فيه رضاه. [مجلس11/8/1419هـ].
[الأجوبة والبحوث والمدارسات للشيخ صالح آل الشيخ (3/460 -461)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟