ما سأل عنه الشاب هو أمر عظيم، فكيف يسمح الرجل المسلم لنفسه أن يعاشر زوجته في نهار رمضان وهما صائمان؟ هذا أمر لا يسوغ، بل هو من المحرمات، ومن كبائر الذنوب أن يدنو الرجل من زوجته ويلاعبها، ويبقى معها يعاشرها حتى يخرج منه الماء، هل هذا يسوغ من المسلم؟ ومعلوم أن الجماع ودواعيه محرمة على الصائم، كما جاء في أحاديث كثيرة متعددة، ففي الحديث عن أبي هريرة قال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبي -صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ، فقال: يا رَسُولَ اللهِ، هَلَكْتُ، قال: (ما لك؟)، قال: وَقَعْتُ على امْرَأَتِي وأنا صَائِمٌ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هل تَجِدُ رَقَبَةٌ تُعْتِقُهَا؟)، قال: لا، قال: (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟، قال: لا، فقال: (فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟)، قال: لا، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذلِكَ أُتِيَ النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- بعَرَق فِيهَا تَمْرُ -وَالعَرَقُ المِكْتَلُ- قَالَ : (أَيْنَ السَّائِلُ؟) فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: (خذها، فَتَصَدَّق بِهِ)، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتيها -يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ- أَهْلُ بَيْتِ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْنِي، فَضَحِكَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: (أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) [رواه البخاري (1936) واللفظ له ومسلم (1111)]، فدل على أن كفارة الجماع في رمضان عتق رقبة، فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيعا فإطعام ستين مسكينًا، فإن لم يجدا ذلك تسقط عنهما والله الحمد.
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: « من أَفْطَرَ يَوْمًا من رَمَضَانَ من غَيْرِ رخصة ولا مَرَضِ، لم يَقْضِ عنه صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ، وَإِنْ صَامَهُ» [رواه أبو داود (۲۳۹٦)، والترمذي (۷۲۳) واللفظ له].
وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصيامُ جُنَّة، فإذا كان يَوْم صَوْم أَحَدِكُمْ فَلا يرفث ولا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أو قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إني امْرُؤٌ صَائِمٌ ...) [رواه البخاري (1904)، ومسلم (1151)] وكما جاء في القرآن: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، وهذا دليل على أنه محرم في نهار رمضان، والأدلة على هذا كثيرة.
وما أشار إليه من أنه خرج منه الماء، وهل عليهما أن يفطرا أو يتابعـا صيامهما؟ فإن جوابه أن عليهما متابعة الصوم حتمًا، ولا شك في ذلك، وأن عليه إذا كان خرج منه الماء القضاء لذلك اليوم، والمرأة إذا شاركته نفس الشيء فعليها قضاء يوم بدله، وهما بكل حال آثمان وقد ارتكبا محرمًا، الزوج لأنه ارتكب هذا الفعل، والزوجة لأنها طاوعته ولم تعارض، أما إذا كان قد أكرهها فإن المكره معذور.
ومثل هذا العمل من الصائم في نهار رمضان من أكبر المحرمات، وعلى الصائم أن يبتعد عن زوجته، وعن كل ما يفسد صيامه، ويسبب له مثل هذا الأمر، فكيف يكون الإنسان حافظًا لصيامه؟ وكيف يكون عنده يوم صيامه ويوم فطره سواء؟، وكيف يكون عنده رمضان وغيره سواء؟ وكان الواجب على المسلم لو ضرب على أن يفطر ما أفطر؛ لعلمه أن الله يكره ذلك، فكيف به إذا دفعه هواه وشهوته الجامحة إلى فعل هذا الأمر اختيارًا، وفي نهار رمضان وهو مسلم ويعرف حرمته في نهار رمضان؟ وكل الناس يعرفون أن الجماع ودواعيه محرمة.
[ثمر الغصون في فتاوى الشيخ صالح بن علي بن غصون (7 /276)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟