مقصود السؤال مفهوم، الحمد لله وبعد:
أولًا: المقصود بصيام العشر: صيام التسع، أما العاشر، وهو عيد الأضحى، فلا يجوز صيامه، ويحرم بالإجماع، وإنما المقصود صيام التسع وقيل صيام العشر لسببين:
السبب الأول: للتغليب والتغليب له أصوله اللغوية والشرعية الكثيرة.
والسبب الثاني: أن العمل الصالح يتبع بعضه بعضًا، وحكم العمل في العشر أنه من خير الأعمال.
فإذا تبين ذلك، فالعشرة الأول من ذي الحجة هي أفضل أيام السنة على الإطلاق، كما أن العشر الأخيرة من رمضان هي أفضل ليالي السنة على الإطلاق، فالليالي العشر الأخيرة من رمضان هي أفضل الليالي، وأيام العشر هي أفضل الأيام؛ كما ثبت في الصحيح، استدل العلماء بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ أَيَّامِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ»، في دخول صيام التسع في الاستحباب؛ لأنه عمل صالح، ولا شك أن صيام النفل عمل صالح محبوب لله، فإذا كان يحبه الله في غير هذه التسع، فإنه في هذه التسع أحب إلى الله بنص الحديث، لكن عارض هذا عند بعض أهل العلم أنه لم يثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صامه، فقد ورد عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قالت: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَط»، المقصود أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صائمًا في العشر قط، وهنا جاء في حديث آخر أن النبي الله صام التسعة، فاختلف العلماء في ذلك: هل يثبت الصيام، أم ينفى؟ فمن قال: يثبت قال: الصيام مستحب – يعني: التسع – لأمرين:
الأول: لأنه داخل في العموم.
والثاني: أنه جاء صيامه له في حديث.
وقال المعارضون: إن هذا الحديث مقدم على النفي؛ لأن الإثبات مقدم على النفي. قال هؤلاء: إن هذا الحديث مثبت والنافي لا يقدم على المثبت؛ لأن مع المثبت زيادة علم، ليست عند النافي.
قال المعارضون: لا، الحديث هذا ضعيف والصواب عدم الصيام.
والصحيح في ذلك: أن صيام العشر - يعني: صيام التسع – داخل في عموم الحديث، وقد عمل بذلك السلف والعلماء والأمة، وما زال الناس يعملون بذلك، ولا نعلم أحدًا من أهل العلم -لا من قديمهم، ولا من حديثهم- قال: إن صيام التسع بدعة، أو إن الأفضل ألا يصوم شيئًا من هذه التسع؛ لأنه يدخل في العموم أولًا، وقد دل على دخوله ما جاء في الرواية، وفعل طائفة من السلف لذلك. [محاضرة الحج عبادة].
[الأجوبة والبحوث والمدارسات للشيخ صالح آل الشيخ (3 /454-456)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟