على السائلة ما دامت تعرف وضع والدتها، وأنها حسب ما قالت متوترة
الحال ومتغيرة المزاج، وأنها تتأثر لأدنى سبب، عليها أن تراعي شعورها، وعليهم أن
يبتعدوا عمَّا يزعجها أو يسخطها، وعليهم أيضًا أن يصبروا إذا تكلمت بشيء، أو دعت
بشيء أن يصبروا وينصرفوا عنها، أو يدعوا لها بالهداية والتوفيق، وأن الله يجزيها
خيرًا، ويختم لها بخير ويغفر لها، ولا يردوا عليها ردًّا سيئًا، ولا يظهروا لها
السخط والكراهية والتأفف مما يزعجها ويدفعها في أن تتمادى في دعواتها وغضبها
وتلفظها بكلام غير مناسب، تلك والدتهم وليس لهم غيرها، وهم أولادها وقد عانت في
تربيتهم، وحملهم، وولادتهم، ورضاعتهم، عانت الكثير، ولها عليهم حق كبير، وحق
الوالد لا يقدر، ولا يستطيع الولد أن يقوم بحق والده مهما فعل.
وقد رُوي أن رجلًا كان يطوف بالبيت يحمل أمه على ظهره يقول:
أحمل أمي وهي الحمَّاله *** تُرضِعُني الدِّرَّة والعُلاله
هل يُجْزَيَنَّ والد فِعالَهْ
فقال له عمر -رضي الله عنه-: «لا، ولا طلقة» ثم قال: «لَوَدِدْتُ أَنَّ
أُمِّي أَسْلَمَتْ فَأَحْمِلُهَا كما حَمَلْتَ أمَّكَ كان أَحَبَّ إِلَيَّ
مِمَّا طلعت عليه الشمس أو غربت».
فحق الوالد عظيم، وإذا كان الوالد يتحمس ويغضب بسرعة، فعلى أولاده أن
يفهموا طبيعته ويتحملوا ومزاجه، وعادة الوالد يدعو بلسانه وقلبه يقول: لا، ويستغفر
بقلبه، ما لم يكن الولد وقح ولئيم ويعاند الوالد ويرد عليه، وهو الذي يدفع الوالد
كثيرًا، وهذا من الأمور التي يجب أن يعرفها الولد مع والده أو والدته، ولا ينسى
الولد دائمًا وأبدًا أن هذا، والد، وأنَّ له حقًا، وأنَّ الله قَرَنَ حق الوالد
بحقه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] ، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36] ، {وَوَصَّيْنَا
الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: ۱۸]،
{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَى الْمَصِيرُ} [لقمان: ١٤]، {وَوَصَّيْنَا
الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: 15]، وهكذا الوالد حقه مقرون
بحق الله - عز وجل-.
وفي الحديث الصحيح: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بِأكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟
قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قال: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ
الْوَالِدَيْنِ»، وَجَلَسَ وكان مُتَّكِنًا، فقال: «أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ أَلَا
وشهادة الزُّورِ، قال راوي الحديث: فما زَالَ يُكَرِّرُها حتى قُلْنَا لَيْتَهُ
سَكَت».
فعلى الولد أن يُقَدِّر الوالد، ويُقَدِّر جهده ومتاعبه، وإذا كان الوالد -كما تقدم- يغضب بسرعة، فلا يقابله بشيء حتى لا يتمادى ويدعو عليه، وإذا هدأ الوالد يقول له: جزاك الله خيرًا يا أبي أو يا أمي، ويحاول إرضاءه، والوالد أقرب إلى الخير من الولد، وأطيب قلبًا من قلب الولد، وأسرع للمودة وللندم من الولد، وأكثر حنانًا وعطفًا من الولد، ولهذا الله -جل وعلا- أوصى الولد بوالده ولم يوص الوالد بولده، لعلم الله - جل وعلا- بما فطر الوالد عليه من الحنان والشفقة والعطف، اللهم أعنا على أنفسنا وأعذنا من شرورها.
اطلع أيضًا على : احكام صلاة الجماعة
[ثمر الغصون من فتاوى الشيخ صالح بن علي بن غصون11/47]
هل انتفعت بهذه الإجابة؟