الإثنين 19 شعبان 1446 هـ

تاريخ النشر : 12-01-2025

حكم المزاحمة عند المقام وأثناء الطواف والسعي

الجواب

لا شك أن الصلاة خلف المقام مشروعة، ولهذا قال الله -عز وجل-: {وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} [البقرة: ١٢٥]، لكنها سنة، فإذا ترتب على فعل السنة مزاحمة، أو مدافعة، أو عرض الإنسان نفسه لأن يدوسه الناس فحينئذ تكون الصلاة في جهة أخرى من المسجد أفضل؛ دفعًا للمشقة ودفعًا للأذى وبعض الناس لا ينصف يصلي ويدعو كثيرًا حتى ما كأن هناك أناسًا ينتظرون فراغه، وهذه المواقف مشتركة، وينبغي للإنسان أن يقدر ظروف الآخرين، ويفترض أنه هو من الواقفين الذين ينتظرون، دورهم، كذلك مزاحمة الناس في المطاف، ودفعهم بعنف وقوة، قد يدفع رجلًا كبير السن أو امرأة ضعيفة، ثم يسيء إلى إخوانه، ويسيء إلى المكان المقدس الشريف، والحقيقة أنه ما ينبغي هذا في الحج، فالحج مظهر إسلامي، وعبادة من أقدس العبادات وأفضلها، ومطلوب من المتلبس بها أن يكون خاشعًا، وأن يكون رفيقًا، وأن يكون لبقًا، وكذا في المسعى بعض الناس يركض وربما يدفع الناس بعنف، ولا يستشعر أنه ربما دفع إنسانًا كبير السن أو رجلًا أعرج، أو امرأة، أو إنسانًا زاد عليه السكر، أو الضغط، أما يتصور أنه لو دفعه وحصل له شيء أنه يكون آثمًا إثمًا عظيمًا، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ۱۰]، وفي الحديث الصحيح قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الْمُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» [رواه البخاري (481) ومسلم (2585)].

وقوله ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطِفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذا اشتَكَى منه عُضْوٌ تَدَاعَى له سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [رواه البخاري (6011) ومسلم (2586)]، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبُّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» [رواه البخاري (13) ومسلم (45)]، هكذا ينبغي في غير الحج وفي غير الأماكن المقدسة، في غير المطاف وبين الصفا والمروة، فأحرى إذا كان في بلد الله الأمين {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 97]، وله حق على الآخرين والناس {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25]، الناس في حق الله سواء في هذا البيت حاضرهم، وغائبهم قريبهم وبعيدهم، وأبيضهم وأسودهم وقاصيهم ودانيهم لا فضل لأحد على أحد، هذا بيت الله، وهذه الأماكن والمشاعر المقدسة للمسلمين، عمومًا، من حق كل من دخلها أن يتمتع بأمنه وطمأنينته واستقراره ومن أراد في الأماكن المقدسة أو في بيت الله الحرام خلاف ذلك فقد ألحد في الحرم، وأساء إلى عباد الله {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، يجب على الناس أن يكونوا إخوة {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]. 

حتى في الكلام لا يجوز للناس أن يتلاغوا ويتلاحوا، فكيف بالفعل؟ وأذية الناس، أو إخافة السبيل فيه، أو تهديد أرواح الناس، هذا لا يجوز إطلاقًا، بل يجب أن يكون الناس في هذا البيت آمنين، الطيور فيه آمنة. 

وفي الجاهلية كان الكفار فيه على أمان وطمأنينة، كان الإنسان يرى فيه قاتل قريبه، أو قاتل أبيه، أو قاتل أخيه، أو قاتل ابنه فلا يهيجه ولا يتعرض له بسوء. 

والوحوش والدواب والبهائم إذا دخلت الحرم أمنت، فكيف بالمسلمين أمة محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-؟ يجب أن المسلم يراعي المسلم عند السعي، أو الصعود على الصفا والمروة، وعند الطواف بالبيت وعند استلام الحجر، وعند استلام الركن اليماني، وعند الشرب من زمزم، وعند مقام إبراهيم والصلاة خلف المقام، في أي مكان ومسلك من فجاج مكة ومن مشاعرها، يجب أن يستشعر أنه في بلد حرام، وفي بلد آمن، وأن هؤلاء الناس الذين جاؤوا من كل فج عميق كل واحد منهم له حق، وليس لأحد فضل على أحد بل كما قال الله -عز وجل-: {سَوَاء العاكف فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: ٢٥]، ومن هم فيه بسوء  فقد ألحد في الحرم وتوعده الله -عز وجل- بأن يذيقـه عذاباً أليماً {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، هذا لا يجوز، ولا يحل لأحد كائنًا من كان. 

المصدر:

[ثمر الغصون في فتاوى الشيخ صالح بن علي بن غصون (8 /192)].


هل انتفعت بهذه الإجابة؟