النبي -صلى الله عليه وسلم- حج قارنًا، وقد تواترت الأحاديث والأدلة على هذا، فهو ساق الهدي، وقد جاء في الحديث الصحيح عنه -عليه الصلاة والسلام-: «لو استقبلْتُ من أَمْرِي ما استدبرت ما سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَحَلَلْتُ مع الناس حين حلوا» [رواه البخاري (۷۲۲۹)، ومسلم (۱۲۱۱، ١٧٨٤) من حديث عائشة]، وفي لفظ: «وجعلتها عمرة» [رواه مسلم (۱۲۱۸) من حديث جابر].
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حج قارنًا، وساق الهدي، فمن ساق الهدي من الحــل فالأفضل له أن يحج، قارنًا، سواء كان هذا الهدي قليلًا أو كثيرًا، أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد أهدى مائة بدنة، وذلك في حجة الوداع، فمن ساق الهدي فالأفضل أن يحج قارنًا، ومن لم يسق الهدي فالأفضل أن يحج متمتعًا، وهو آخر الأمرين عن النبي وقد تأسف النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يكن فعل ذلك كما تقدم، وحجة النبي معروفة ومذكورة في كتب الأحاديث، ولا يتسع المكان لشرحها من أولها إلى آخرها، إلَّا أنه كان مثالًا للإخلاص والعبادة والتقوى والزهد والعفاف، وحجَّ على رحل وإهاب لا يبلغ ستة عشر درهمًا، ومع ذلك كان يقول: (اللهم اجْعَلْهُ حَبًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا) [رواه أحمد (٤۲۷/۱)، وابن أبي شيبة (٢٦٠/٣)، وأبو يعلى (١١٥/٩)، والبيهقي (١٢٩/٥) من حديث ابن مسعود].
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حج متواضعًا، ولم يكن مباليًا ولا مباهيًا، فقد كان رحله متواضعًا، ولباسه متواضعًا، ومظهره متواضعًا، وكان بعيدًا عن الفخر والخيلاء والمباهاة، وكثير من الأمور والمظاهر التي يتبعها بعض الناس في الحج، ويريدون أن يكون لهم بها تميز ومظهر في العبادة، ولو ضيقوا على الناس وأخذوا أكثر مما يكفيهم، مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحقيقة والمظهر، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- في حجه معلمًا، ومرشدًا، ومربيًا في صفته وعبادته، وهيأته، وجميع أموره -صلى الله عليه وسلم-.
[ثمر الغصون في فتاوى الشيخ صالح بن علي بن غصون (8 /75-77)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟