صلاة الغائب، الأصل فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نعى النجاشي يوم موته؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي الْيَوْم الذي مَاتَ فيه وخَرَجَ إلى الْمُصَلَّى، فَصَفَ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبَعًا» [أخرجه البخاري 1245]، وقال للصحابة -رضي الله عنهم-: «مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا، فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ» [أخرجه البخاري (3877) من حديث جابر رضي الله عنه]، فتقدم، وصلى صلاة الغائب، وكبر أربعًا، فاستدل طائفة من العلماء على:
القول الأول: أن صلاة الغائب مشروعة فيما يراه ولي الأمر، أو فيما يراه الإمام.
وقال آخرون وهو القول الثاني: إن صلاة الغائب مشروعة لمن في فقده أثر على المسلمين جميعًا، فيصلى عليه صلاة الغائب؛ لأن قلوب الناس تتعلق بالصلاة عليه والدعاء له فتشرع صلاة الغائب لذلك؛ لهذا صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحمة لأجل ذلك؛ لما ورد في الصحيح عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ مَاتَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا، فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ».
والقول الثالث: إن صلاة الغائب مشروعة، لكن لمن لم يصل عليه في بلد مات فيها، فيصلى عليه من المسلمين من تقوم الكفاية بهم؛ لأن الصلاة عليه حقًا من حقوقه والدعاء له، وهذا إذا لم يوجد أحد، فإنه يصلى عليه.
وهذا القول الثالث هو الأصح من حيث الدليل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقده هو أعظم فقد، وأثر على الناس في زمانه، ومع ذلك لم يؤمر بالصلاة عليه في الغياب في جميع المساجد، أو الناس يصلون عليه صلاة غائب، حتى صلوا عليه أرسالًا؛ لأنه لم يخرج من مكانه، كذلك أبو بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- لم يصل عليهم صلاة الغائب، وهذا هو الأرجح من حيث النظر في ذلك، لكن إذا كانت المسألة فيها خلاف ظاهر، وعدد الأئمة الأربعة يقولون بجواز صلاة الغائب، وأخذ به من أخذ من أهل العلم، فإنه المسألة مسألة اختيار فيقال: صلاة الغائب الراجح فيها هو كذا وكذا، لكن إذا صلى المسلمون بناءً على قول قوي من عدد من أهل العلم، مثل: صلاة الغائب على من يفقد من حضر الصلاة عليه، يصلي عليه؛ لأنه إذا لم يصل عليه بناءً على ما اختار من أنه لا يصلي على الغائب، فإنه قد يُساء به الظن، أو قد يكون هناك مفسدة متعدية بعدم صلاته، والصلاة على الميت دعاء له، وهذا فيه سعة .
والإمام أحمد -رحمه الله- لما سئل عن القنوت في الفجر –صلاة الفجر- قيل له: إنهم يقنتون في الفجر، أنصرف؟ قال: لا تنصرف، صل معهم- ذلك لأن المسألة فيها خلاف، وبَيَّن ذلك، فيرعى في مثل هذه المسائل المهمة رحم الله شيخنا رحمة واسعة، اللهم ارفع درجته في المهديين، وأصلح عقبه في الحاضرين. [شرح مسائل الجاهلية].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟