قال الله -عز وجل- في كتابه العزيز: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، فهذا النبي العظيم -عليه الصلاة والسلام- ما ترك خيرًا إلَّا ودل الأمة عليه، ولا شرًا إلا وحذر الأمة منه، وكان أحرص على أمته منهم على أنفسهم، أحرص على نفعهم، وعلى دفع العنت عنهم وعلى إيصال الخير إليهم من حرصهم لأنفسهم -صلوات الله وسلامه عليه-.
فالنبي حث على السحور، وعلى تأخيره؛ ليكون الصائم قويًا طوال يوم صيامه ونشطا؛ لأنه أكل ما يقيم صلبه، وأمر بتأخير السحور، وأخبر «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحْرِينَ» [رواه ابن حبان (٣٤٥/٨)، والطبراني في الأوسط (۲۸٧/٦) من حديث ابن عمر، وأخرجه أحمد (۱۲/۳) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
وقال: «عَلَيْكُمْ بِالسَّحُورِ فإنه الْغِدَاءُ الْمُبَارَكُ» [رواه أحمد (١٣٢/٤)، والطبراني في الكبير واللفظ له (٦٤١) من حديث المِقْدَام بن معدي كرب]، وقال: «فَصلُ مَا بَينَ صِيَامِنَا وَصِيَامٍ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ» [رواه مسلم (١٠٩٦) من حديث عمرو بن العاص]، فالحديث يلفت أنظارنا إلى أن من لا يتسحر أنه قد رغب عن الاقتداء بسنة سيد الأولين والآخرين، وأيضًا يفيدنا أن الذين يأكلون قبل منتصف الليل ثم ينامون ويتركون السحور أن هؤلاء أيضًا غفلوا عن هذه الحكمة وعن هذا التوجيه النبوي.
وكذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بتعجيل الفطور؛ لأنه يتفق مع رغبة البشر؛ لأن النفوس لا تزال تتشوق إلى وقت الإفطار، وإلى مباشرة ما منعت منه في وقت الصيام، فكان ما أمر به المصطفى عين المصلحة لهذه الأمة، وهو ما يتفق مع الطباع البشرية ونفوس بني الإنسان، فصلوات الله وسلامه على من لم يدع خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولم يترك شرًا إلا حذر منه، فجزاه عن أمته أفضل ما يُجزى نبي عن أمته.
[ثمر الغصون في فتاوى الشيخ صالح بن علي بن غصون (7 /252)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟