أما موضوع تقديم الزواج على فريضة الله في الحج، فإن الإنسان إذا كان محتاجًا إلى التزوج وإلى العفاف فإن هذا متعين، وهو من حوائج الإنسان الأصلية التي لا يستغني عنها، يعني كالمسكن والقوت، والكسوة، وما إلى ذلك من أساس البيت وما يلزم والحج لا يكون واجبًا على الإنسان إلَّا إذا كان مستطيعًا إليه سبيلًا، بمعنى: أنه لديه ما يكفي حوائجه ولأولاده من نفقة، أما إذا كان لم يتزوج والمال الذي عنده لا يكفي لأن يؤدي فريضة الله في الحج وأن يتزوج به، وهو محتاج تمامًا إلى زوجة، فإنه في هذه الحال يقدم الزواج على فريضة الحج، وإذا أوسع الله عليه فيما بعد فعليه أن يحج.
وهذا أيضًا يعطينا أهمية موضوع الزواج وإعفاف الفرد، وأن على الإنسان أن يحاول بقدر الإمكان أن لا يؤخر موضوع الزواج، وهذا شامل للرجل والمرأة؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّج فإنه أَغَض لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْج» [رواه البخاري (۱۹۰۵)، ومسلم واللفظ له (٥٠٦٥) من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه]، وفي هذا دعوة للشباب أن يتزوجوا؛ لأن الشاب في حاجة إلى إعفاف فرجه؛ ولأن كلاً من الجنسين مأمور بغض البصر، ومأمور أيضًا بحفظ فرجه، وهذا قد لا يتم إلا بإعفاف الإنسان بزواجه، سواء أكان ذكرًا أم أنثى، وهذا أمر يعرفه الجميع، وإن كان الكثيرون من الناس الآن لا يزالون يضعون العراقيل في سبيل الزواج، مراعاة للمظاهر، في حين أن أمور المظهر والشكليات لا ينبغي أن تكون عقبة ولا حائلًا ولا أيضًا معوقًا ولا مؤخرًا عن تسهيل أمر الزواج الذي هو من الحاجات الضرورية لكل من الجنسين، ولهذا جاء الإسلام بتيسيره، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من أعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقًا أو تمرًا فقد استحل» [رواه أبو داود (۲۱۱۰)، والدارقطني (٢٤٣/٣)، والبيهقي (٢٣٨/٧)].
وقال: «أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مؤنة» [رواه النسائي في الكبرى(۹۲۲۹)، وأحمد(١٤٥/٦)، وابن أبي شيبة (٤٩٣/٣)، والحاكم (۱۷۸/۲۲)، والبيهقي (٢٣٥/۷) من حديث عائشة رضي الله عنها]، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يقتصر على تقليل المهر، ولهذا لما تزوج رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بامْرَأَةٍ من الأَنْصَارِ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «على كَمْ تَزَوجتَهَا؟»، قال: على أَربع أَوَاقٍ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «على أربع أوَاقٍ ؟ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الفضة من عُرْض هذا الجبل» [رواه مسلم (1424) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (ألا لا تغالوا صَدقَة النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لو كانت مَكْرُمَةٌ في الدُّنْيا أو تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلاكُمْ بِها نَبِيُّ الله -صلى الله عليه وسلم-، ما عَلِمْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَكَحَ شيئًا من نِسَائِهِ، ولا أَنْكَحَ شيئًا من بناته على أَكْثَرَ من ثنتي عَشْرَةَ أُوقِيَّةٌ» [رواه الترمذي (۱۱۱٤)، والطبراني في الأوسط (۱۷۹/۱)، والبيهقي(٢٣٤/٧)]، وَالأُوقِيَّةُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْم: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وثنتا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً: أربعمائة وثمَانُونَ دِرْهَما. وهذه مبالغ زهيدة رمزية قليلة جدًا.
وموضوع المظهر يضر أكثر مما ينفع، والمراد من التزوج هو بناء بيت سعيد، وتكوين أسرة سعيدة، وما يترتب على ذلك من حصول الأولاد، وسعادة الطرفين، وإعفاف كل واحد منهما للآخر، والواقع وبكل صراحة بالنسبة لي أن الإنسان الذي يغالي في هذه الأمور ويتعلق بالمظهر أن هذا يسيء إلى أمته ويسيء إلى إخوانه، وفي الحديث الصحيح قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ من عَمِلَ بها بَعْدَهُ، من غَيْرِ أَنْ يَنْقُص من أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كان عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ من عَمِلَ بِها مِن بَعْدِهِ من غَيْرِ أَنْ يَنْقُص من أَوْزَارِهِمْ شيء» [رواه مسلم (1017) من حديث جرير رضي الله عنه].
ومن السنن الحسنة أن نتواضع، وأن نختصر، وأن نحاول التأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وأن نبين للآخرين أننا لا نشك في أنفسنا ولا بمكانتنا، وأننا نعتبر المظهر أمرًا ثانويًا لا أثر له، وإذا كان الإنسان قد أعطي مالًا ووسع الله عليه في المال، فمن شُكر الله أن لا يكون ماله سببًا لأذية الآخرين؛ لأن من الناس من يرى أن عليه أن يحاكي فلانًا وعلانًا، وأن يتأسى به، وإن كان هو شخصيًا لا يرى ذلك، لكن أولاده وزوجته وذويه يؤذونه ويقولون أهل فلان فعلوا وآل فلان، فعلوا، ووضعوا حفلًا في الفندق الفلاني، أو في البيت الفلاني، ودعوا وفعلوا، ثم يؤذونه، ويضايقونه، ويحرجونه، ويحملونه على ما يكره وربما أيضًا عرضوه لأن ينفق أموالًا طائلة دونما ضرورة.
هذه نصيحتي لجميع إخواني أن يحاولوا التباعد عن هذه الأمور، وأن ينبذوها عن قناعة ورغبة في الخير ورغبة في التيسير ورغبة في التخفيف على إخوانهم الآخرين، وتعاونًا على البر والخير.
[ثمر الغصون في فتاوى الشيخ صالح بن علي بن غصون (8 /56-59)].
هل انتفعت بهذه الإجابة؟