الجمعة 26 شوّال 1446 هـ

تاريخ النشر : 28-07-2024

أحكام السفر في الفقه الإسلامي

الجواب

السفر سبب مبيح لقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، بل إنه سبب يقتضي مشروعية قصر الصلاة الرّباعيّة إلى ركعتين، إما وجوبا أو ندبا، على خلاف في ذلك. والصحيح أن القصر مندوب وليس بواجب، وإن كان في النّصوص ما ظاهره الوجوب، لكن هناك نصوص أخرى تدلّ على أنه ليس بواجب، والسّفر الّذي يبيح القصر ويبيح الفطر، ويبيح مسح الخفّين أو الجوربين ثلاثة أيّام، قد اختلف العلماء فيه، فمنهم من جعله مقرونا بالمسافة، وهي واحد وثمانون كيلومترا تقريبا، فإذا خرج الإنسان من بلده إلى هذه المسافة، أو إذا عزم على قطع هذه المسافة من بلده، فإنّه يكون مسافرا يباح له جميع رخص السّفر.

ومن العلماء من يقول: إن السّفر لا يحدّد بالمسافة، وإنّما يحدّد بالعرف والعادة؛ لأن الشّرع لم يرد بتحديده، وما لم يرد الشّرع بتحديده فإنّه يرجع فيه إلى العرف

    والعادة، كما قال الناظم:

وكلّ ما أتى ولم يحدّد        بالشّرع كالحرز فبالعرف احددِ.
الحرز: هو ما تحفظ به الأشياء، أي: لو أودعتك وديعة، فوضعتها أنت في مكان، وسرقت من المكان، فادّعى صاحب الوديعة أنه جعلها في مكان غير محرز، وادّعى المودع أنه جعلها في مكان محرز، فالمرجع في ذلك إلى العرف.
على كلّ حال إذا ثبتت أحكام السّفر، سواء قلنا: إنّه مقيّد بالمسافة، أو مقيّد بالعرف، فإن أحكام السّفر ينبغي للإنسان أن يفعلها، سواء كانت قصرا، أو فطرا في رمضان، أو مسحا على الجوربين ثلاثة أيام، إلا أنّ الأفضل الصيام للمسافر في الصّوم ما لم يشقّ عليه، فإن شقّ فالأفضل الفطر.
وبهذه المناسبة: أودّ أن أذكّر إخواننا المعتمرين الذين يقدمون إلى مكّة لأداء العمرة، إلا أنّ بعضهم يقضي عمرته في النّهار، ويشق عليه الصوم مع ذلك مشقّة عظيمة، حتى إن بعضهم يغمى عليه وينقل، وهذا خطأ عظيم جدّا، المشروع في حقّ هؤلاء أن يفطروا. فإذا قال قائل: هل الأفضل أن أفطر، وأؤدّي العمرة من حين أن أصل، أو الأفضل أن أمسك، ولا أؤدّي العمرة إلا بالليل؟

فالجواب: الأوّل أفضل: أن يفطر ويؤدّي العمرة في النّهار؛ لأنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اعتمر بادر بأداء العمرة، حتى إنّه لا ينيخ بعيره إلا عند باب المسجد -صلى الله عليه وسلم - ، فيؤدّي عمرته، وهذا الّذي يحدث من بعض النّاس في هذا البلد، أو في غيره من الصّيام في رمضان في السّفر مع المشقّة، إنما يكون عن اجتهاد منهم، ولكنّ الشّرع ليس بالهوى، وإنما هو بالهدي، فكون الإنسان يشقّ على نفسه وهو مريض، فيصوم، أو يشقّ على نفسه وهو مسافر، فيصوم، فهذا خلاف السّنّة، وخلاف ما يحبّه الله عز وجلّ، فإنّه يحبّ أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته.

المصدر:

[دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين للشيخ ابن عثيمين ( 14 /28)]


هل انتفعت بهذه الإجابة؟