الخميس 17 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

هل صحت أحاديث في فضيلة صوم نصف من شعبان وإحياء لياليه ؟

الجواب

وردت أحاديث صحيحة في فضيلة صوم أيام كثيرة عن شعبان إلا أنها لم تَخُصَّ بعضا من أيامه دون بعض، فمنها: ما في الصحيحين أن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان، فكان يصوم شعبان كله إلا قليلًا»، وفي حديث أسامة بن زيد أنه قال للنبي-صلى الله عليه وسلم-: «لم أرك تصوم من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم» رواه الإمام أحمد والنسائي.
ولم يصح حديث أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرَّى صيام يوم بعينه من شعبان، أو كان يخص أياما منه بالصوم، لكن وردت أحاديث ضعيفة في قيام ليلة النصف من شعبان وصيام نهارها، منها: ما رواه ابن ماجه في سننه، عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا كان ليلة نصف شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله -تعالى- ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا، فيقول: ألا مستغفرٍ فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلىً فأعافيه، ألا كذا حتى يطلع الفجر»، وقد صحح ابن حبان بعض ما ورد من الأحاديث في فضل إحياء ليلة النصف من شعبان، من ذلك ما رواه في صحيحه عن عائشة أنها قالت: «فقدتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرجت فإذا هو في البقيع رافعٌ رأسه، فقال: أكنتِ تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ فقلت: يا رسول الله، ظننتُ أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله -تبارك وتعالى- ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب»، وقد ضعف البخاري وغيره هذا الحديث، وأكثر العلماء يرون ضعف ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان وصوم يومها، وقد عُرف عند علماء الحديث تساهل ابن حبان في تصحيح الأحاديث.وبالجملة فإنه لم يصح شيء من الأحاديث التي وردت في فضيلة إحياء ليلة النصف من شعبان وصوم يومها عند المحققين من علماء الحديث؛ ولذا أنكروا قيامها وتخصيص يومها بالصيام، وقالوا: إن ذلك بدعة، وعظَّم جماعة من العباد تلك الليلة اعتمادًا على ما ورد من الأحاديث الضعيفة، واشتهر عنهم ذلك فتابعهم عليه الناس؛ تحسينا للظن بهم، بل قال بعضهم لفرط تعظيمه لليلة النصف من شعبان: إنها الليلة المباركة التي أُنزِل فيها القرآن، وأنها يُفْرَق فيها كل أمر حكيم، وجعل ذلك تفسيرًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدخان: 3-4]، وهذا من الخطأ البين، ومن تحريف القرآن عن مواضعه، فإن المراد بالليلة المباركة في الآية ليلةُ القدر؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[القدر: 1]، وليلة القدر في شهر رمضان للأحاديث الواردة في ذلك؛ لقوله تعالى ﴿شهر رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾[البقرة: 185].

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.

المصدر:

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(3/61)
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب رئيس اللجنة
إبراهيم بن محمد آل الشيخ ... الرئيس


هل انتفعت بهذه الإجابة؟