السبت 11 شوال 1445 | آخر تحديث قبل 6 ساعات
0
المشاهدات 1064
الخط

هل سبق شيخ الإسلام وابن القيم في بيان معية الله لخلقه؟

السؤال:

سئل فضيلة الشيخ: هل سبق أحد شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في أن المعية حقيقية تليق بالله ينزه فيها الباري عن أن يكون مختلطا بالخلق أو حالا في أمكنتهم؟ وعن الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل»؟ وعن قول ابن القيم في الصواعق مختصرها: (فهو قريب من المحسنين بذاته ورحمته) هل هو صحيح وهل سبقه أحد في ذلك؟

الجواب:

لا أعلم أحدا صرح بذلك، لكن الذي يظهر أن الكلام فيها كغيرها من الصفات، تفهم على حقيقتها مع تنزيه الله عما لا يليق به، كما يفهم الاستواء والنزول وغيرهما، ولهذا لم يتكلم الصحابة فيما أعلم بلفظ الذات في الاستواء والنزول، أي لم يقولوا: استوى على العرش بذاته، أو ينزل إلى السماء الدنيا بذاته؛ لأن ذلك مفهوم من اللفظ، فإن الفعل أضيف إلى الله تعالى، إما إلى الاسم الظاهر، أو الضمير، فإذا أضيف إليه كان الأصل أن يراد به ذات الله -عز وجل- لكن لما حدث تحريف معنى الاستواء والنزول احتاجوا إلى توكيد الحقيقة بذكر الذات، وكذلك لما حدث القول بالحلول وشبه القائلون به بآيات المعية بين السلف بطلان تلبيسهم، وأنه لا يراد بها أنه معهم بذاته مختلطا بهم، كما فهم أولئك الحلولية، وأن المراد بها بيان إحاطته بالخلق علما، وذكروا العلم؛ لأنه أعم الصفات متعلقا، ولأنها جاءت في سياقه. والمهم أن هذه المسألة كغيرها من مسائل الصفات تجري على ظاهرها على ما يليق بالله -عز وجل- وما ورد عن السلف فإنه داخل في معناها، لأنه من لوازمه، واقتصروا عليه خوف المحذور، وإلا فلا يخفى أن حقيقة المعية أوسع من العلم وأبلغ، ولظهور هذه المسألة وأنها لم تخرج عن نظائرها لم يكن فيها كلام عن الصحابة -رضي الله عنهم- اللهم إلا ما ذكر عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره عنه، قال: (هو على العرش، وعلمه معهم) ثم اشتهر ذلك بين السلف حين انتشر تفسير الجهمية لها بالحلول. وأما سؤالكم عن الحديث القدسي: «وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه». فأنت ترى أن الله تعالى ذكر في الحديث عبدا ومعبودا، ومتقربا ومتقربًا إليه، ومحبا ومحبوبا، وسائلا ومسئولا، ومعطيا ومعطى، ومستعيذا، ومستعاذا به، ومعيذًا ومعاذا فالحديث يدل على اثنين متباينين، كل واحد منهما غير الآخر، فإذا كان كذلك لم يكن ظاهر قوله: (كنت سمعه وبصره ويده ورجله) أن الخالق يكون جزءا من المخلوق، أو وصفا فيه، تعالى الله عن ذلك وإنما ظاهره وحقيقته أن الله تعالى يسدد هذا العبد في سمعه، وبصره، وبطشه، ومشيه، فيكون سمعه لله تعالى إخلاصا وبه استعانة وفيه شرعا، واتباعا، وهكذا بصره، وبطشه ومشيه. وأما سؤالكم عن قول ابن القيم في الصواعق (مختصرها): فهو قريب من المحسنين بذاته، ورحمته، فهل يصح؟ وهل سبقه أحد في ذلك؟ فإن ابن القيم -رحمه الله تعالى- قاله أخذا بظاهر قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾[البقرة: 186] فهذه الضمائر: عِبَادِي، عَنِّي فَإِنْ ي، قَرِيبٌ، أُجِيبُ، دَعَانِ، لَيْ، بِي، كلها تعود إلى الله -عز وجل- فكما أنه نفسه المعبود المسئول عنه المجيب لدعوة الداعي الواجب الإيمان به فهو القريب كذلك، ولا يلزم من ذلك الحلول؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فهو قريب في علوه. وقد سبقه إلى مثل ذلك شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- حيث قال في شرح النزول (ص 508 ج 5) من مجموع الفتاوي: (ولهذا لما ذكر الله سبحانه قربه من داعيه وعابديه قال: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾[البقرة: 186]. فهنا هو نفسه سبحانه القريب الذي يجيب دعوة الداع) إلى أن قال ص (510): (وأما قرب الرب قربا يقوم به بفعله القائم بنفسه فهذا تنفيه الكلابية، ومن يمنع قيام الأفعال الاختيارية بذاته، وأما السلف وأئمة الحديث والسنة فلا يمنعون ذلك، وكذلك كثير من أهل الكلام) اهـ.

المصدر:

مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(1/144-146)

أضف تعليقاً