الثلاثاء 15 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

هل بإمكان الجن التسلط على البشر؟

السؤال
السؤال الثاني من الفتوى رقم(3512)
هل الحديث التالي ليس بحجة على تمليك الجن سلطانا على البشر؟ عن أبي السائب قال: «دخلنا على أبي سعيد الخدري فبينما نحن جلوس إذ سمعنا تحت سريره حركة فنظرنا فإذا فيه حية، فوثبت لأقتلها وأبو سعيد يصلي فأشار إلي أن أجلس فجلست فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار، فقال: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم، فقال: كان فيه فتى منا حديث عهد بعرس، قال: فخرجنا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إلى الخندق، فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يوما فقال له رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك قريظة، فأخذ الرجل سلاحه ثم رجع فإذا امرأته بين البابين قائمة فأهوى إليها بالرمح ليطعنها وأصابته غيرة، فقالت له: اكفف عليك رمحك وأدخل البيت حتى تنظر ما الذي أخرجني، فدخل فإذا بحية عظيمة منطوية على الفراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها به ثم خرج فركزه في الدار فاضطربت عليه فما يدري أيهما كان أسرع موتا الحية أم الفتى.. إلخ» رواه مسلم في الصحيح [مشكاة المصابيح] باب ما يحل أكله وما يحرم.
الجواب
أولاً: الحديث صحيح من جهة سنده ومتنه.
ثانيا: الناس خلق أبوهم آدم من طين ثم صار بشرا سويا وتناسل منه أولاده، والجن خلقوا من نار، ثم صاروا أحياء منهم الذكور ومنهم الإناث، وكل من الجن والإنس قد أرسل إليهم النبي-صلى الله عليه وسلم-، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، والإنسي قد يؤذي الجني وهو يعلم أو لا يعلم، والجني قد يؤذي الإنسي ويصرعه أو يقتله، كما أن الإنسي قد يؤذي الإنسي ويضره، والجني قد يؤذي الجني، ومن نفى ذلك عن الجن وهو لم يحط علما بأحوالهم فقد قفا ما ليس له به علم وخالف ما ورد فيهم من آيات القرآن، فقد قال تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾[الرحمن: 14- 15] وقال: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ﴾[المؤمنون: 12] الآيات، وخاطبهم الله تعالى كالإنس في قوله: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾[الرحمن: 16] وبقوله: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾[الرحمن: 33] وسخر سبحانه الجن على اختلاف حالهم لنبيه سليمان عليه السلام، قال تعالى: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾[ص: 36- 38] وقال تعالى: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾[سبأ: 12] الآيات، وقال: ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ﴾[الأنبياء: 82] وقال تعالى: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾[الأحقاف: 29-32] وقال: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[الأنعام: 128- 129] واقرأ الآيات من سورة الجن في تفصيل أحوالهم وأعمالهم وجزاء من آمن منهم ومن كفر، فلا عجب أن يتمكن جني من إنسي وأن يصيبه بأذى، كما يتمكن الإنسي من الجني ويصيبه بما يضره إذا تمثل الجني بصورة حيوان مثلا، كما في الحديث المذكور في السؤال، وكما في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي-صلى الله عليه وسلم- قال: «إن عفريتا من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: فرده خائبا».
وبالجملة فكل من الجن والإنس إما مؤمن وإما كافر، وطيب أو خبيث، ونافع لغيره أو مؤذ له ضار به كل بإذن الله -عز وجل- كما تقدم.
وأخيرا: فعالم الجن وأحوالهم غيبي بالنسبة للإنس لا يعلمون منها إلا ما جاء في كتاب الله تعالى أو صح من سنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فيجب الإيمان بما ثبت في ذلك بالكتاب والسنة دون استغراب أو استنكار والسكوت عما عداه؛ لأن الخوض نفيا أو إثباتا قول بغير علم، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾[الإسراء: 36].
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
المصدر:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1/282)
عبد الله بن قعود ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد الرزاق عفيفي ... نائب رئيس اللجنة
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس

هل انتفعت بهذه الإجابة؟