الجمعة 18 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 25-03-2020

حكم من مات وليس في عنقه بيعة ومتى يجوز الخروج على الحاكم ؟

الجواب
المعروف عند أهل العلم أن البيعة لا يلزم منها رضا لواحد وأن من المعلوم أن في البلاد من لا يرضى أحدٌ من الناس أن يكون وليًّا عليه، لكن إذا قهر الولي وسيطر وسادت له السُلطة، فهذا هو تمَامُ البيعة لا يجوز الخروج عليه إلا في حال واحدة استثناها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال: «إلا أن تَروا كُفرًا بَواحًا عِندَكُم فيه من الله برهانٌ».
أولاً: «إلا أن تروا»: والرؤية إما بالعين أو بالقلب، الرؤيا بالعين بصرَّية وبالقلب علمية، بمعنى أننا لا نعمل بالظن، أو بالتقديرات، أو بالاحتمالات، بل لابدَّ أن نعلمَ علمَ اليقين.
ثانياً: أن نرى كُفرًا لا فسوقاً فمثلاً: الحاكم لو كان أفسق عباد الله عنده شرب خمر وغيره من المحرمات وهو فاسق، لكن لم يخرج من الإسلام، فإنه لا يجوز الخروج عليه، وإن فُسِّقَ لأنَّ مفسدة الخروج عليه أعظمُ بكثير من مفسدة معصيته التي هي خاصة به.
ثالثاً: قال «بواحًا»: البواح يعني: الصريح، والأرض البواح: هي الواسعة التي ليس فيها شجر ولا مدر ولا جبل، بل هي واضحة للرؤية، لابدَّ أن يكون الكفر بواحاً ظاهرًا لا يشك فيه أحد، مثل أن
يدعو إلى نَبذِ الشريعة، أو يدعو إلى ترك الصلاة وما أشبه ذلك من الكفر الواضح الذي لا يَحتَمِل التأويل، حتى إنه لا يجوز الخروج عليه حتى وإن كُنا نرى نحن أنه كفر وبعض الناس يرى أنه ليس بكفر، فإنه لا نجيز الخروج عليه؛ لأن هذا ليس بواحًا.
رابعاً: «عندكم فيه من الله برهان»، أي دليلٌ واضح وليس مجرد اجتهاد أو قياس، بل هو بيّنٌ واضح أنه كفر، فحينئذ يجوز الخروج.
ولكن هل معنى جواز الخروج أنه جائز بكل حال، أو واجب على حال ؟
لا، لابدَّ من قُدرة على مُنَابَذَةِ هذا الوالي الذي رأينا فيه الكفر البواح، لابدَّ من قُدرة، أما أن نخرج عليه بسكاكين المطبخ وعوامل البقر، ولديه دبابات وصواريخ، فهذا سَفهٌ في العقل وضلال في
الدين؛ لأن الله لم يُوجب الجهاد على المسلمين حين كانوا ضُعفاء في مكة، ولو شاؤا لاغتالوا كُبراءهم وقتلوهم، لكنه لم يأمرهم بهذا، ولم يأذن لهم به؛ لعدم القدرة، وإذا كانت الواجبات الشرعية التي لله- عز وجل - تسقط بالعجز، فكيف هذا الذي سيكون فيه دماء.
ليس إزالة الحاكم بالأمر الهين، مجرد ريشة تنفخها وتذهب، لابدَّ من قتال معه، وإذا قُتِل فله أعوان، والمسألة ليست بالأمر الهين حتى نقول بكل سهولة نزيل الحاكم أو نقضي عليه وينتهي كل شيء، فلابد من القدرة.
والقدرة الآن ليست بأيدي الشعوب فيما أعلم، والعلم عند الله عز وجل ليس بأيدي الشعوب قدرة على إزالة مثل هؤلاء القوم الذين نرى فيهم كفرًا بواحًا.
ثم إن القيود التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - قيودٌ صعبة، من يتحقق من هذا الحاكم مثلاً علمنا أنه كافر علم اليقين، نراه كما نرى الشمس أمامنا ثم علمنا أن الكفر بواح، لا يحتمل التأويل وليس فيه أي أدنى لبس، ثم عندنا دليل من الله برهان قاطع، هذه قيود صعبة، أما مجرد أن يظن الإنسان أن الحاكم قد كفر، فهذا ليس بصحيح، لابدَّ من إقامة الحجة وما ضرَّ الأمَّةَ أول ما ضرَّها في عهد الخلفاء الراشدين- - رضي الله عنهم - - ، إلا التأويل الفاسد والخروج على الإمام.
فالخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب- رضي الله عنه - قالوا: لأنه حَكَّمَ غير القرآن، كانوا بالأول معه على جيش معاوية، ولما- رضي بالصلح والتحاكم بالقرآن قالوا: أنت الآن حكَّمت آراء الرجال ورضيت بالصلح فأنت كافر، نريد مقاتلتك، فانقلبوا عليه، بماذا ؟
بالتأويل وليس كل ما رآه الإنسان يكون هو الحق، قد ترى أنت شيئًا محرمًا، أو شيئًا معصية، أو شيئًا كفرًا، وغيرك لا يراه كذلك.
ألسنا نرى نحن أنَّ تارك الصلاة كافر ؟ نرى ذلك لا شك، لكن يأتي غيرنا يقول: ليس بكفر. والذي يقول ليس بكفر، هم علماء وليسوا أهل هوى، بل علماء لكن هذا هو اجتهادهم.
فإذا كان العلماء أهل الفقه قد يرون ما هو كفر في نظر الآخرين ليس بكفر، فما بالك بالحكام الذي قد يكون بعضهم عنده من الجهل ما عند عامة الناس.
فالمهمُّ إن هذه المسائل مسائل صعبة وخطيرة، ولا ينبغي للإنسان أن ينقاد وراء العاطفة أو التهييج، بل الواجب أن ينظر بنظر فاحص متأني مُتريث، وينظر ماذا يترتب على هذا الفعل، فليس المقصود أن الإنسان يبرِّدُ حرارة غَيْرَتِه فقط، بل المقصود إصلاح الخطأ، ولا شك أن الإنسان يلحقه أحيانًا غيرة ويمتلئ غيظًا مما وقع، أو يقع من بعض الولاة، لكن يرى أن من المصلحة أن يعالج المشكلة بطريقة أخرى غير التهييج، وكما أقول لكم: إن بعض الناس يظنُّ هذا سبباً يقتضي الضغط على ولي الأمر، حتى يفعل ما يرى هذا القائل أنه إصلاح، ولكن هذا غير مناسب في مثل بلادنا.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(25/369- 373)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟