الجمعة 18 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم طلاق الحائض أو في طهر جامع فيه

الجواب
إذا طلق الزوج المرأة في حال الحيض، أو في حال النفاس أو في حال طهر جامعها فيه، وليست حاملاً، ولا آيسة، اختلف العلماء في ذلك، والجمهور على أنه يقع الطلاق، مع أنه بدعة ومنكر لا يجوز؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- ، أنكر على ابن عمر لمّا طلق امرأته وهي حائض، وأمره أن يمسكها، حتى تحيض، ثم تطهر، ثم يطلق بعد ذلك، أو يمسك، ثم قال له - صلى الله عليه وسلم:، «فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» فالجمهور ذهبوا إلى أن الطلاق وقع، ولكنه مأمور بأن يراجعها إذا كان الطلاق طلقة واحدة، أو طلقتين يراجعها ويبقيها، كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم- : «حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق قبل أن يمس، وإن شاء أمسك» هذا هو المعروف عند جمهور أهل العلم، وذهب آخرون من أهل العلم وهو مروي عن طاوس، وخلاس بن عمرو وجماعة، وهو ثابت عن ابن عمر: أن الطلاق في الحيض لا يقع، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- ردّها عليه من دون احتساب الطّلاق عليه، وإنما حسبها هو ابن عمر، اجتهادًا منه حسب الطلقة، ولكن لم يحسبها عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- ، وقال هؤلاء: إن هذا الطلاق بدعة ومنكر، فلا يقع؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وهذا طلاق ليس عليه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- ، فلا يقع، وهذا هو اختيار أبي العباس ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم رحمة الله عليهما، واختاره جماعة من أهل العلم، وهو أظهر في الدليل، وأقوى في الدليل؛ لأن الرسول أنكر على ابن عمر، وأغلظ في ذلك -عليه الصلاة والسلام- ، وأمره أن يمسكها حتى تحيض، ثم تطهر، ثم قال: «إن شاء طلّق قبل أن يمسّ وإنْ شاء أمسكها»، وفي لفظ: «ثم يطلقها طاهرًا أو حاملاً». هذا على أنه لم يقع الطلاق؛ لأن إيقاعه، ثم ردها تكثير للطلاق، يعني يوقع الطلاق الأول، ثم يأمره بطلاقها مرة أخرى، والشارع يتشوّف لقلّته لا لكثرته، فالحاصل أنّ قوله: «فليراجعها»، ليس معناه الرجعة المعروفة، التي هي الرجعة بعد الطلاق، وأن المراد عند هؤلاء، يعني فليردها إلى حباله، كونها عنده حتى تطهر من حيضتها التي طلقها فيها، ثم تحيض مرة أخرى، ثم تطهر، ثم بعد هذا إن شاء طلق وإن شاء أمسك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم- : «فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» يعني في قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾[الطلاق: 1]، الآية. قال العلماء: معنى ذلك، طاهرات من غير جماع، هذا معنى ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾[الطلاق: 1]، يطلقن طاهرات من غير جماع، أو في حال الحمل؛ لحديث ابن عمر: «فليطلقها طاهرًا أو حاملاً» هذا القول أظهر في الدليل؛ لأنه موافق لحديث ابن عمر، وموافق للآية الكريمة، ولما ذكره أهل العلم في تفسيرها، وإن كان خلاف قول الأكثرين، لكن المعوّل عليه في المسائل هو ما يقرب من الدليل، وما يقتضيه الدليل، ثم هو أرفق بالأمة وأنفع للأمة؛ لأن من الناس من يغضب ويطلق في الحيض والنفاس، وفي طهر جامعها فيه، فإذا ردّت عليه، ففيه جمع الشمل، وجمع الأسرة، وربّما كان لديهما أولاد، ويجمع الشمل بينهما وبين أولادهما، فالحاصل والخلاصة أن هذا مع كونه أظهر في الدليل، هو أرفق بالأمة والله يقول سبحانه ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾[البقرة: 185]، ويقول جل وعلا: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[الحج: 78]، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم- : «يسروا ولا تعسروا» فالتيسير للأمة والتسهيل عليها مهما أمكن مطلوب، وهو أقرب إلى قواعد الشرع، التي جاءت بالتيسير والتسهيل والرحمة، وما أكثر ما يقع الطّلاق من الناس، في حال الغضب الشديد، في حال الحيض، في حال النفاس، وفي حال الطهر الذي جامعها فيه، ثم يندم الجميع، ففي هذا القول رحمة للأمة، وجمع للشمل، وتيسير للأمور، وتقليل للفرقة، ولا يخفى على كل من له أدنى خبرة بأحوال الناس ما يترتب على الطلاق، من شرّ عظيم في الغالب، وفرقة للأولاد مع والديهم، وضياع في بعض الأحيان للأولاد، ومتاعب كثيرة للأب، والأم جميعًا، والأولاد، والله المستعان.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(22/55- 59)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟