الجمعة 18 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

حكم صرف أغراض المسجد المتهدم إلى مسجد آخر وحكم استفادة بعض الناس منها.

الجواب
إذا خرب المسجد ونحوه بأسباب سيل أو غيره شرع لأهل المحلة التي فيها المسجد أن يعمروه ويقيموا الصلاة فيه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة» ولقول عائشة رضي الله عنها: «أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب» أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد حسن والمراد بالدور القبائل والحارات ونحوها، والأحاديث في فضل تعمير المساجد كثيرة، فإن كان في المحلة مسجد يغني عنه صرفت حجارته وأنقاضه في مسجد آخر في محلة أخرى أو بلدة أخرى محتاجة إلى ذلك، وعلى ولي الأمر في البلد الذي فيه المسجد المذكور من قاض أو أمير أو شيخ قبيلة ونحوهم العناية بذلك، ونقل هذه الأنقاض إلى تعمير المساجد المحتاجة إليها أو بيعها وصرفها في مصالح المسلمين، وليس لأحد من أهل البلد أن يأخذ شيئا منها إلا بإذن ولي الأمر، وإذا كان في المسجد قبر وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام- إن وجدت- إلى مقبرة البلد، فيحفر لها وتدفن في المقبرة؛ لأنه لا يجوز شرعا وضع قبور في المساجد، ولا بناء المساجد عليها؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالقبور، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة، بأسباب الغلو في أصحاب القبور.
وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده - عليه الصلاة والسلام - ، وثبت في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»، وفي صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها»، وفي صحيح مسلم أيضا عن جندب بن عبد الله البجلي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك». عن أم سلمة وأم حبيبة - رضي الله عنهما - أنهما ذكرتا للنبي - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتاها في الحبشة وما فيها من الصور فقال: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله»، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه» زاد الترمذي - رحمه الله - في روايته بإسناد صحيح، «وأن يكتب عليه» فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، والصلاة إليها وتجصيصها، ونحو ذلك مما هو من أسباب الشرك بأربابها، ويلحق بذلك وضع الستور عليها، والكتابة عليها، وإراقة الأطياب عليها، وتبخيرها؛ لأن هذا كله من وسائل الغلو فيها، والشرك بأهلها.
فالواجب على جميع المسلمين الحذر من ذلك والتحذير منه، ولا سيما ولاة الأمر، فإن الواجب عليهم أكبر، ومسؤوليتهم أعظم؛ لأنهم أقدر من غيرهم على إزالة هذه المنكرات وغيرها، وبسبب تساهلهم وسكوت الكثيرين من المنسوبين إلى العلم كثرت هذه الشرور، وانتشرت في أغلب البلاد الإسلامية، ووقع بسببها الشرك، والوقوع فيما وقعت فيه أهل الجاهلية الذين عبدوا اللات والعزى ومناة وغيرها، وقالوا كما ذكر الله عنهم في كتابه العظيم: ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس: 18] وقالوا: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر: 3]. وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حذر أمته من بناء المساجد على القبور، ولعن اليهود والنصارى على ذلك، ونهى أمته عن مشابهتهم، وقال لعلي - رضي الله عنه - : «لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته» والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا، ويمنحهم الفقه في دينه، ويصلح قادتهم، ويجمع كلمتهم على التقوى، ويوفقهم للحكم بشريعته، والحذر مما خالفها، إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
رئيس الجامعة الإسلامية
في المدينة المنورة
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(30/84- 89)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟