الجمعة 10 شوال 1445 | آخر تحديث قبل 3 أيام
0
المشاهدات 709
الخط

حكم توكيل الحاج بعض الشركات التي تتولى ذبح الأضاحي خارج بلد المضحي

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين- حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد ما حكم ما يفعله بعض الحجاج في الأضاحي، وهو نقل الأضاحي إلى خارج البلاد وذلك ببذل المال لشركة أو مؤسسة تقوم بشراء الأضحية وذبحها في بلاد أخرى ؟ وجزاكم الله خيرَا.

الجواب:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته... وبعد: فإن ما يفعله بعض الحجاج من نقل أضاحيهم إلى خارج البلاد لا شك أن هذا مخالف للسنة التي سنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل مخالف لأمر الله - عز وجل - كما سأبينه في هذه النقاط، فإن نقل الأضاحي إلى خارج البلاد يفوت به مصالح كثيرة: المصلحة الأولى: إنه يفوت بذلك إظهار شعيرة من شعائر الله تعالى وهي الأضاحي، فإن الأضاحي شعيرة عظيمة من شعائر الله يتقرب الإنسان بها إلى ربه، فقد قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابه، فقال -جلّ وعلا-: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر: 2]، وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الأنعام: 162]، والنسك عند كثير من المفسرين هو: الذبيحة، ومنها الأضاحي، فإذا نقلت إلى خارج البلاد أصبحت معطلة من هذه الشعيرة، إما في بعض البيوت، وإما في كثير منها، وإما في أكثرها إذا توسع الناس في ذلك، وليعلم أن المقصود بالأضاحي هو التقرب إلى الله - عز وجل -، وليس المقصود منها مجرد الانتفاع من لحمها كما قال الله تعالى: ﴿لَنْ يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ﴾[الحج: 37] بين الضحية واللحم فقال: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم. فقال رجل: يا رسول الله، نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة ؟ فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: تلك شاة لحم». وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين»، وهذا الحديث دليل واضح على أنه ليس المقصود من الأضاحي مجرد الانتفاع باللحم إذ لو كان الأمر كذلك لم يكن فرق بين المذبوح قبل الصلاة وبعدها، ويدل لهذا أيضًا أن الأضحية خصت بنوع معين من البهائم، وهي: الإبل، والبقر والغنم، وقيدت بشروط معينة كبلوغ السن، والسلامة من العيوب، وكونها من أيام النحر، ولو كان المقصود مجرد الانتفاع باللحم لأجزأت بكل بهيمة كالدجاج، ولأجزأ بالصغير من الأنعام والكبير، ولأجزأت بالعضو من البهيمة وبالجميع، فالأضاحي لها شأن كبير في الإسلام، ولهذا جعل لها حرمات محيطة بها، فمن أراد أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره، ولا من ظفره، ولا من بشرته شيئًا حتى يضحي. المصلحة الثانية التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: مباشرة المضحي ذبح أضحيته، فمن السنة أن يذبح المضحي أضحيته بنفسه؛ تقربًا إلى الله -عزّ وجلّ-، واقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث كان يذبح أضحيته بنفسه وقال أهل العلم إذا كان المضحي لا يحسن الذبح بنفسه فليحضر الذبح بنفسه. المصلحة الثالثة التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: إنه يفوت بذلك شعور الإنسان بالتعبد لله بالذبح نفسه الذي قرنه الله بالصلاة في قوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر: 2]. المصلحة الرابعة التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: إنه يفوت الإنسان ذكر اسم الله عليها وقد أمر الله تعالى بذلك فقال سبحانه: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ﴾[الحج: 36] وقال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾[الحج: 34] وفي هذا دليل على أن ذبح الأضحية وذكر اسم الله عليها عبادة مقصودة بذاتها وأنها من توحيد الله وتمام الاستسلام له وربما كان هذا المقصود أعظم بكثير من مجرد انتفاع الفقير بها، ومن المعلوم أن من نقلها خارج البلاد لم يحصل على هذه الفائدة العظيمة. المصلحة الخامسة التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: الأكل من الأضحية، والأكل من الأضحية مشروع إما وجوبًا، وإما استحبابًا، فإن من العلماء من يقول: يجب على المضحي أن يأكل من أضحيته، فإن لم يأكل منها فهو عاص لله تعالى؛ لأن الله تعالى أمر بالأكل منها بل قدمه على إطعام الفقير فقال سبحانه وتعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾[الحج: 28] وقال تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾[الحج: 28] ومن المعلوم أن نقلها إلى خارج البلاد يؤدي إلى عدم الأكل منها، فيكون الناقل مخالفًا لأمر الله تعالى ويكون آثمًا- على قول من قال بوجوب الأكل منها من أهل العلم. المصلحة السادسة: التي تفوت بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد: إذا كانت الأضاحي وصايا فإن نقلها يفوت مقصود الموصين بها؛ لأن الموصين حينما أوصوا لم يكن في بالهم أن يضحي بها خارج البلاد، ولم يكن في بالهم إلا أن تتمتع ذرياتهم وأقاربهم في هذه الأضاحي، وأن يباشروا بأنفسهم تنفيذها، ولم يخطر ببالهم أبدًا أن أضاحيهم سوف تنقل إلى بلاد أخرى قريبة أو بعيدة، فيكون في نقل أضاحي الوصايا مخالفة لما يظهر في مقصود الموصين. ومع فوات هذه المصالح بنقل الأضاحي إلى خارج البلاد فإن فيه مفسدة قد تكون كبيرة لدى الناظر المتأمل، ألا وهي: أن الناس ينظرون إلى الأضاحي إلى هذه العبادة العظيمة نظرة اقتصادية محضة، أو نظرة تعبدية قاصرة، بحيث يشعر أنه استفاد منها بمجرد الإحسان إلى الغير، مع أن الفائدة الكبرى منها هي: التعبد لله تعالى بذبحها وابتغاء مرضاته. وإني أحث إخواني على أن تكون أضحياتهم في بلادهم، وإذا أرادوا أن ينفعوا إخوانهم المتضررين في البلاد الأخرى، فإن أبواب الخير كثيرة، فليرسلوا إليهم أطعمة، ليرسلوا لهم ألبسة، ليرسلوا لهم دراهم، كل هذا نافع بإذن الله مع إبقاء الشعيرة العظيمة تحت تصرفهم وبين أهليهم وفي بلادهم. أرجو الله أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح في ديننا ودنيانا وإن يرزقنا البصيرة في ديننا حتى نتصرف على وفق الشريعة التي جاء بها محمد -صلى الله عليه وسلم-. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أملاه محمد الصالح العثيمين في 23/11/1413هـ  والحمد لله رب العالمين.

المصدر:

مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(25/84- 89)

أضف تعليقاً