الأربعاء 16 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

جواز الرقية من القرآن وحكم قراءة جزء كل يوم وتفسيره من ابن كثير

الجواب
رقية المريض بدنيا أو نفسيا أو من عين أو سحر أو غير ذلك، لا بأس بها إن كانت من القرآن الكريم أو من الأدعية الصحيحة، وإذا كان ذلك ممن يعرف بالعقيدة السليمة والالتزام بالأمور الشرعية، والمعرفة بأمور الطب فيما يخص التداوي بالأدوية المباحة.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: (وقد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:
1- أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
2- وأن تكون باللسان العربي، أو بما يعرف معناه من غيره.
3- وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى.
واختلفوا في كونها شرطا، والراجح أنه لا بد من اعتبار الشروط المذكورة، ففي (صحيح مسلم) من حديث عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله: كيف ترى في ذلك؟ فقال: «اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك».
وله من حديث جابر: نهى رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عن الرقى، فجاءه آل عمرو بن حزم فقالوا: يا رسول الله: إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب. قال: فعرضوا عليه فقال: «ما أرى بأسا، من استطاع أن ينفع أخاه فلينفعه».
وقد تمسك قوم بهذا العموم فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ولو لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف أنه مهما كان من الرقى يؤدي إلى الشرك يمنع وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدي إلى الشرك فيمنع احتياطا، والشرط الآخر لا بد منه) ا. هـ. (الفتح 10 \ 195)
وما لا يعقل معناه إن لم يؤد إلى الشرك فإنه يفتح باب الشعوذة وتسويغ أعمال السحرة والمبتدعين والخرافيين.
أما من يدعون علم الغيب أو يستحضرون الجن أو أشباههم من المشعوذين أو المجهولين الذين لا تعرف حالهم ولا تعرف كيفية علاجهم- فلا يجوز إتيانهم، ولا سؤالهم، ولا العلاج عندهم، لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل منه صلاة أربعين ليلة» أخرجه مسلم، وقوله-صلى الله عليه وسلم-: «من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد»-صلى الله عليه وسلم-، أخرجه أحمد وأهل السنن بإسناد جيد.
ولأحاديث أخرى في هذا الباب كلها تدل على تحريم سؤال العرافين والكهنة وتصديقهم، وهم الذين يدعون علم الغيب أو يستعينون بالجن أو يوجد من أعمالهم وتصرفاتهم ما يدل على ذلك، وفيهم وأشباههم ورد الحديث المشهور الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد جيد، عن جابر -رضي الله عنه- قال: سئل النبي-صلى الله عليه وسلم- عن النشرة، فقال: «هي من عمل الشيطان».
وفسر العلماء هذه النشرة: بأنها ما كان يعمل في الجاهلية من حل السحر بمثله، ويلتحق بذلك كل علاج يستعان فيه بالكهنة والعرافين وأصحاب الكذب والشعوذة. هذا وقد كان النبي-صلى الله عليه وسلم- يرقي أصحابه، ومن ذلك ما روي عنه-صلى الله عليه وسلم-: «ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض...، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع» فيبرأ.
ومن الأدعية المشروعة: «بسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك»، ومنها: «اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما».
ومنها: أن يضع الإنسان يده على موضع الألم الذي يؤلمه من بدنه فيقول: «بسم الله ثلاث مرات، أعوذ بعزة الله وقدوته من شر ما أجد وأحاذر» سبع مرات. أخرجه مسلم في (صحيحه) إلى غير ذلك.
أما كتابة الآيات والأذكار وتعليقها على المريض فلا يجوز على الصحيح؛ لأن النبي-صلى الله عليه وسلم- نهى عن ذلك وقال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» ويستثنى من ذلك ما أجازه الشرع من الرقى.
أما النفث في الماء، فإن كان المراد به التبرك بريق النافث فهو حرام، ويعد من وسائل الشرك؛ لأن ريق الإنسان ليس للبركة والشفاء، ولا أحد يتبرك بريقه إلا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
وأما النفث بالريق مع تلاوة القرآن الكريم والأدعية، مثل: أن يقرأ الفاتحة، والفاتحة رقية وهي أعظم ما يرقى به المريض، فهذا لا بأس به، وقد فعله أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- في رقية اللديغ فشفاه الله، وأخبروا النبي-صلى الله عليه وسلم- بذلك فأقرهم عليه، وقال: «أصبتم» وهو مجرب ونافع بإذن الله، وقد كان النبي-صلى الله عليه وسلم- ينفث في يديه عند نومه بـ: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص: 1]، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾[الفلق: 1]، و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾[الناس: 1]، فيمسح بهما وجهه وما استطاع من جسده ثلاث مرات.
أما ما جاء في السؤال من أن علاج القلق هو قراءة جزء من القرآن وتفسيره من ابن كثير فلا أصل له، لكن القرآن كله مما يرقى به وينفع الله به.
أما تخصيص آيات معينة لرقية بعض الأمراض بلا دليل فلا يجوز، فإن القرآن خير كله وشفاء للمؤمنين، ومن أعظم ما يرقى به منه الفاتحة كما سبق.
ويجب التنبه إلى أن القرآن ما نزل ليكون دواء لأمراض الناس البدنية فقط، لكن نزل لأمر عظيم وخطب جليل، ليكون نذيرا للعالمين وهاديا إلى صراط الله المستقيم، وحاكما بينهم فيما يختلفون فيه، ومحذرا من طريق الكفر والكافرين، وهو مع هذا ينفع الله تعالى به عباده المؤمنين من أسقامهم الدينية والبدنية، كما قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾[فصلت: 44]، وقال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا﴾[الإسراء: 82].
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(1/72-77)المجموعة الثانية.
بكر أبو زيد ... عضو
صالح الفوزان ... عضو
عبد العزيز آل الشيخ ... نائب الرئيس
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس

هل انتفعت بهذه الإجابة؟