الخميس 17 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

تقرير الشيخ الألباني في الأخذ ما زاد على القبضة والرد عليه

السؤال
الفتوى رقم(18094)
يقول الشيخ المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني -حفظه الله- في شأن اللحية في أحد أشرطته المنسوخة من طرف أحد طلاب العلم، وهو عكاشة عبد المنان الطيبي: (إن الذي يطلق لحيته أكثر من قبضة بأنه مبتدع)، وذلك لأنه يقول حفظه الله: (إن كل نص عام ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفيه جزء يدخل تحت هذا النص العام، نعلم بطريقة أو بأخرى أن هذا الجزء لم يعمل به الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو سلفنا الصالح، فمن ذلك يكون العمل بهذا الجزء رغم كونه داخلا بالنص العام إحداثا بالدين).
ثم قال حفظه الله في مكان آخر: (... أعفوا اللحى نص عام... لكن إذا وجد واحد تارك لحيته ووصلت لسرته عمل بالنص العام، لكن هل عمل السلف به؟
الجواب عند من يعلم: لا. عندما لا يعلم يظل هذا الذي لا يعلم عند النص العام، أما الذي يعلم فيقول هذه الجزئية من النص العام لم يجر عليه العمل من السلف الصالح... أي الآن هو خلاصة الجواب، لا نعلم عن أحد من السلف، فضلا عن رسول الله سيدهم وإمامهم، أنه كان يعفي لحيته عفوا عاما. هذا أولا، وثانيا نعلم عن كثير منهم العكس من ذلك تماما أنهم كانوا يأخذون، وصح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب لكن هذا بالنسبة للرواية، الرواية عن ابن عمر هذا شبهة؛ ذلك لأن هناك روايتين: الرواية الأولى هي التي ذكرها في حج أو عمرة، بينما هناك رواية أخرى ثانية عنه مطلقا، وتلقى ذلك عنه بعض التابعين، ومنهم سالم بن عبد الله بن عمر، فكان يأخذ من لحيته، وحديث عن أبي هريرة وعن جماعة من التابعين، بل وإبراهيم النخعي وهو من صغار التابعين يروي عن الصحابة أنهم كانوا يأخذون من لحيتهم، فلذلك وجود الأخذ في عدم وجود الإعفاء المطلق يجعل إعفاء الزائد على القبضة من محدثات الأمور.....).
وقال حفظه الله في مكان آخر: (... نقف عند ابن عمر؛ لأن ابن عمر هو في رواة الإعفاء ومن المشاهدين للرسول -صلى الله عليه وسلم- يفسر الإعفاء الذي رواه عن الرسول عليه السلام بتطبيقه هو، وبخاصة أننا نعلم جميعا إن شاء الله أن ابن عمر كان من أشد، إن لم نقل أحرص وأشد الصحابة حرصا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ، حتى في جزئيات قد عورض فيها من قبل صحابة آخرين فمثل هذا لا يمكن أن نتصور فيه أنه يرى الرسول يأمر بالإعفاء إعفاء عاما ثم يخالفه إلى ما نهاه عنه فهذا أمر مستحيل).
وفضيلتكم وكافة أعضاء الأمانة الدائمة وهيئة كبار العلماء يقولون بحرمة الأخذ في اللحية ولا نتفها فأطلب من سماحتكم أن تبينوا لي بشيء من التفصيل هذه المسألة جزاكم الله خيرا.
الجواب
يجب على المسلم إعفاء لحيته؛ امتثالا لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا ففي (الصحيحين) وغيرهما عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى» هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم: «أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى».
وفي (الصحيحين) أيضا عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس».
والإعفاء والتوفير والإرخاء: ترك اللحية وعدم الأخذ منها ولو طالت وهذا ما يدل عليه الوضع اللغوي لهذه الألفاظ. والقاعدة المشار إليها في السؤال قاعدة باطلة، ولا نعلم لها أصلا، ولا أن أحدا من أهل العلم ممن يعنون بالتأصيل والتقعيد ذكرها، ودليل بطلانها عدم اطرادها في غالب فروعها بالإجماع، فإن من فروعها أن المتصدق مثلا يجب أن لا يتعدى مقدار ما أنفقه أحد من السلف، ولا يقول بهذا أحد من المسلمين، والقاعدة الشرعية هي التي تطرد في غالب فروعها.
فتبين بهذا أن القول بهذه القاعدة غير صحيح، وأنه يجب على المسلم أن لا يأخذ من لحيته ولو طالت؛ امتثالا لأمره -صلى الله عليه وسلم- بمدلوله اللغوي.
وما نقل عن ابن عمر -رضي الله عنهما- من أخذه من لحيته من طولها وعرضها فهو مع صحته عنه -رضي الله عنه- ، إلا أنه ليس بحجة هنا، إذ الحجة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقد علمنا من لفظه -صلى الله عليه وسلم- وجوب إعفاء اللحية وعدم التعرض لها بحلق ولا تقصير وقد اتفق المسلمون على أنه لا يعارض قول، النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول أحد من الناس ولا فعله، وهذه قاعدة جليلة تنفع صاحبها نفعا عظيما، وابن عمر لم يكن يفعل هذا دائما، وإنما يفعله إذا حل من الإحرام.
أما الاحتجاج بأنه لا يعلم أن أحدا من السلف أعفى لحيته إعفاء عاما، فكلام غير صحيح، ويخالفه هديه -صلى الله عليه وسلم- من فعله، فقد جاء في أحاديث كثيرة صحاح: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كان كث اللحية»، وفي بعضها: «أنه كان ضخم اللحية»، وفي بعضها: «أن لحيته قد ملأت نحره». وفي هذا أبلغ رد على هذا الاحتجاج.
على أنه باستقراء سير السلف الصالح وجد من وصف بعضهم إطلاق لحاهم، ومنها الطويل وما يتجاوز السرة، وهذا الاستقراء لا حاجة إليه لولا أن السائل ذكر ما ذكر؛ لأنه كما سبق الحجة في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعله وما يفهم من قوله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
المصدر:
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(4/ 46- 50)المجموعة الثانية
بكر أبو زيد ... عضو
صالح الفوزان ... عضو
عبد العزيز آل الشيخ ... عضو
عبد الله بن غديان ... عضو
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الرئيس

هل انتفعت بهذه الإجابة؟