الجواب
يجب على المسلم إعفاء لحيته؛ امتثالا لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا ففي (الصحيحين) وغيرهما عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنهكوا الشوارب وأعفوا اللحى» هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم: «أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى».
وفي (الصحيحين) أيضا عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس».
والإعفاء والتوفير والإرخاء: ترك اللحية وعدم الأخذ منها ولو طالت وهذا ما يدل عليه الوضع اللغوي لهذه الألفاظ. والقاعدة المشار إليها في السؤال قاعدة باطلة، ولا نعلم لها أصلا، ولا أن أحدا من أهل العلم ممن يعنون بالتأصيل والتقعيد ذكرها، ودليل بطلانها عدم اطرادها في غالب فروعها بالإجماع، فإن من فروعها أن المتصدق مثلا يجب أن لا يتعدى مقدار ما أنفقه أحد من السلف، ولا يقول بهذا أحد من المسلمين، والقاعدة الشرعية هي التي تطرد في غالب فروعها.
فتبين بهذا أن القول بهذه القاعدة غير صحيح، وأنه يجب على المسلم أن لا يأخذ من لحيته ولو طالت؛ امتثالا لأمره -صلى الله عليه وسلم- بمدلوله اللغوي.
وما نقل عن ابن عمر -رضي الله عنهما- من أخذه من لحيته من طولها وعرضها فهو مع صحته عنه -رضي الله عنه- ، إلا أنه ليس بحجة هنا، إذ الحجة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقد علمنا من لفظه -صلى الله عليه وسلم- وجوب إعفاء اللحية وعدم التعرض لها بحلق ولا تقصير وقد اتفق المسلمون على أنه لا يعارض قول، النبي -صلى الله عليه وسلم- بقول أحد من الناس ولا فعله، وهذه قاعدة جليلة تنفع صاحبها نفعا عظيما، وابن عمر لم يكن يفعل هذا دائما، وإنما يفعله إذا حل من الإحرام.
أما الاحتجاج بأنه لا يعلم أن أحدا من السلف أعفى لحيته إعفاء عاما، فكلام غير صحيح، ويخالفه هديه -صلى الله عليه وسلم- من فعله، فقد جاء في أحاديث كثيرة صحاح: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كان كث اللحية»، وفي بعضها: «أنه كان ضخم اللحية»، وفي بعضها: «أن لحيته قد ملأت نحره». وفي هذا أبلغ رد على هذا الاحتجاج.
على أنه باستقراء سير السلف الصالح وجد من وصف بعضهم إطلاق لحاهم، ومنها الطويل وما يتجاوز السرة، وهذا الاستقراء لا حاجة إليه لولا أن السائل ذكر ما ذكر؛ لأنه كما سبق الحجة في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفعله وما يفهم من قوله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.