الخميس 17 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

بيان معنى قوله تعالى: (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا)

الجواب
قوله تعالى:﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ السائل هنا قريش سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-عن : ﴿ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ وكانت قصته مشهورة ولاسيما عند أهل الكتاب وهو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ويقال إنه طاف معه بالبيت فالله أعلم ، هذا الرجل الصالح مكَّن الله له في الأرض وأتاه من أسباب الملك كل سبب يتوصل به إلى الانتصار وقهر أعدائه فأتبع سبباً يعني سلك طريقاً يوصله إلى مقصوده: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً﴾[الكهف: 86] فاستولى عليهم وخيره الله فيهم: ﴿قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً﴾[الكهف: 86] فحكم بينهم بالعدل قال: ﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَاباً نُكْراً * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْر﴾[الكهف: 87-88] ثم مضى متجها نحو مطلع الشمس: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً﴾[الكهف: 90] يحول بينهم وبين حرها ليس عندهم بناء ولا أشجار وإنما يعيشون في النهار في السراديب وفي الكهوف ثم في الليل يخرجون يلتمسون العيش و كان الله عز وجل في جميع أحوال هذا الرجل عالماً به يسير بعلم من الله عز وجل وهداية كما قال تعالى: ﴿وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً﴾[الكهف: 91] ثم مضى ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً﴾[الكهف: 93] كانوا أعاجم لا تفهم لغتهم ولا يفهمون لغة غيرهم ولكنهم اشتكوا إلى هذا الملك الصالح إلى ذي القرنين بأن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض وهما أمتان من بني آدم كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح وتذكر روايات وأخبار إسرائيلية في هاتين الأمتين أعني في يأجوج ومأجوج كلها لا أصل لها من الصحة وإنما يأجوج ومأجوج من بني آدم وعلى شكل بني آدم كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: «يقول الله تعالى يعني يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار إلا واحداً من الألف فكبر ذلك على الصحابة فقالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد فقال النبي عليه الصلاة والسلام أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج» وهذا دليل واضح وصريح على أنهم أعني يأجوج ومأجوج من بني آدم سيكون شكلهم وأحولهم كأحوال بني آدم تماماً لكنهم من قوم طبعوا والعياذ بالله على فساد في الأرض و تدمير مصالح الخلق وقتلهم وغير ذلك مما يكون فساداً في أرض الله عز وجل فقالوا له هل نجعل لك خرجاً أي مالاً على أن تجعل بيننا وبينهم سدا فأخبرهم بأن الله سبحانه وتعالى أعطاه من الملك والتمكين ما هو خير من المال الذي يعطونه إياه ﴿قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾[الكهف: 95] أي بقوة عملية عمال وأدوات وما أشبه ذلك: ﴿أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً﴾[الكهف: 95] ثم طلب منهم زبر الحديد أي قطع الحديد فصف بعضها على بعض حتى بلغت رؤوس الجبلين ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا﴾[الكهف: 96] فأوقدوا عليه النار ونفخوها حتى صار الحديد ناراً يلتهب فأفرغ عليه قطراً أي نحاساً مذاباً حتى تماسكت هذه القطع من الحديد وصارت جداراً حديدياً صلباً: ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ﴾[الكهف: 97] أي يظهروا فوقه: ﴿وَمَا اسْطَاعُوا لَهُ نَقْباً﴾ أي أن ينقبوه من أسفل فكان ردماً بين يأجوج ومأجوج وبين هؤلاء القوم وقصته معروفة مشهورة ذكرها الله تعالى في سورة الكهف في آخرها فمن أراد أن يعرف المزيد من علمها فليذهب فليقرأ ما كتبه أهل التفسير الموثوق بهم في هذه القصة العظيمة
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من فتاوى نور على الدرب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟