الجمعة 18 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

بيان معنى حديت: ( لا عدوى ولا طيرة . . .)

الجواب
ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر ، ولا نوء ولا غول، ويعجبني الفأل». والمعنى إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية من أن الأشياء تعدي بطبعها ، فأخبرهم -صلى الله عليه وسلم- أن هذا الشيء باطل ، وأن المتصرف في الكون هو الله وحده ، «فقال بعض الحاضرين له -صلى الله عليه وسلم-: «يا رسول الله الإبل تكون في الصحراء كأنها الغزلان ، فيدخل فيها البعير الأجرب فيجربها ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: فمن أعدى الأول» .
والمعنى: أن الذي أنزل الجرب في الأول هو الذي أنزله في الأخرى ، ثم بين لهم -صلى الله عليه وسلم- أن المخالطة تكون سببا لنقل المرض من الصحيح إلى المريض ، بإذن الله عز وجل ؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا يورد ممرض على مصح» . والمعنى: النهي عن إيراد الإبل المريضة ونحوها بالجرب ونحوه مع الإبل الصحيحة ؛ لأن هذه المخالطة قد تسبب انتقال المرض من المريضة إلى الصحيحة بإذن الله ، ومن هذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فر من المجذوم فرارك من الأسد» ؛ وذلك لأن المخالطة له قد تسبب انتقال المرض منه إلى غيره ، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أن انتقال الجذام من المريض إلى الصحيح إنما يكون بإذن الله ، وليس هو شيئا لازما .
والخلاصة: أن الأحاديث في هذا الباب تدل على أنه لا عدوى على ما يعتقده الجاهليون من كون الأمراض تعدي بطبعها ، وإنما الأمر بيد الله سبحانه ، إن شاء انتقل الداء من المريض إلى الصحيح وإن شاء سبحانه لم يقع ذلك .
ولكن المسلمين مأمورون بأخذ الأسباب النافعة ، وترك ما قد يفضي إلى الشر .
أما قوله -صلى الله عليه وسلم-: " ولا طيرة " فمعناه: إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية من التطير بالمرئيات والمسموعات مما يكرهون وتردهم عن حاجتهم ، فأبطلها النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال في الحديث الآخر: «الطيرة شرك ، الطيرة شرك» . وقال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بك» .
وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك " قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله ؟ قال: " أن يقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك» .
وأما الهامة: فهو طائر يسمى البومة ، يزعم أهل الجاهلية أنه إذا نعق على بيت أحدهم فإنه يموت هذا البيت ، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك .
وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: " ولا صفر " فهو الشهر المعروف ، وكان بعض أهل الجاهلية يتشائمون به ، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك ، وأوضح -صلى الله عليه وسلم- أنه كسائر الشهور ليس فيه ما يوجب التشاؤم . وقال بعض أهل العلم: إنها دابة تكون في البطن تسمى: صفر ، وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيها أنها تعدي ، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك .
وأما النوء فهو واحد الأنواء ، وهي النجوم ، وكان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون ببعض النجوم ، فأبطل النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك .
وقد أوضح الله -سبحانه - في القرآن العظيم أنه خلق النجوم زينة السماء ورجوما للشياطين ، وعلامات يهتدى بها في البر والبحر ، كما قال الله - سبحانه -: ﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ﴾[الملك: 5] ، وقال - سبحانه -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾[الأنعام: 97]، وقال -سبحانه -: ﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴾[النحل: 16].
وأما الغول: فهو جنس من الجن يتعرضون للناس في الصحراء ويضلونهم عن الطرق ويخوفونهم، وكان بعض أهل الجاهلية يعتقدون فيهم وأنها تتصرف بقدرتها ، فأبطل الله ذلك . وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان»والمعنى أن ذكر الله يطردها ، وهكذا التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، يقي من شرها وشر غيرها ، مع الأخذ بالأسباب التي جعلها الله أسبابًا للوقاية من كل شر .
أما الفأل: فهو أن يسمع الإنسان الكلمة الطيبة فتسره ، ولكن لا ترده عن حاجته ، وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الفأل بذلك فقال - صلى الله عليه وسلم-: «ويعجبني الفأل " قالوا: يا رسول الله وما الفأل ؟ قال: "الكلمة الطيبة» ا . هـ .
ومن أمثلة ذلك أن يسمع المريض من يقول: (يا سليم يا معافى) ، فيسره ذلك ، وهكذا إذا سمع من ينشد ضالة من يقول: يا واجد ، أو: يا ناجح ، أو: يا موفق ، فيسره ذلك ويتفاءل به .
والله ولي التوفيق .
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز(28/351)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟