الجمعة 18 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 18-02-2020

بلغه أن الأضحية لا تشرع عن الميت وكذا الصدقة...والحج فهل هذا صحيح ؟

الجواب
فجوابه: أما الأضحية عن الأموات فإنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يوصي بها الميت فيضحي عنه تنفيذا لوصيته ؟ لأن الله تعالى لم يبح تغيير الوصية إلا إذا كانت جنفاً أو إثماً، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُوصٍ جَنَفًا أوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَينَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[البقرة: 182]، والأضحية ليست جنفاً ولا إثماً، بل هي عبادة مالية من أفضل العبادات والشعائر.
وقد روى الترمذي وأبو داود عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - «أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - »، وفي رواية أبي أنه قال: «إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصاني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه»، وقد ترجم لذلك الترمذي وأبو داود فقال الترمذي: باب ما جاء في الأضحية عن الميت، وقال أبو داود: باب الأضحية عن الميت، ثم ساقا الحديث، لكن الحديث سنده ضعيف عند أهل العلم، وعلى كل حال فالعمدة على آية الوصية.
القسم الثاني: أن يضحي عن الميت تبعًا مثل أن يضحي الرجل عن نفسه وأهل بيته، وفيهم من هو ميت فهذا جائز ويحصل للميت به أجر، وقد جاءت بمثله السنة، فقد ضحى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكبشين أحدهما عنه وعن آله، والثاني عن أمته، وهو شامل للحي والميت من آله وأمته.
القسم الثالث: أن يضحي عن الميت وحده بدون وصية منه مثل أن يضحي الإنسان عن أبيه أو أمه أو ابنه أو أخيه أو غيرهم من المسلمين، فلا أعلم لذلك أصلاً من السنة إلا ما جاء في بعض روايات مسلم لحديث البراء بن عازب في قصة أبي بردة بن نيار أنه قال: «يا رسول الله قد نسكت عن ابن لي»، فإن صحت هذه الزيادة فقد يتمسك بها من يثبت جواز الأضحية عن الميت وحده حيث لم يسأله النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ابنه أحيّ أم ميت، ولو كان الحكم يختلف بين الحي والميت لاستفصل منه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن في هذا نظر؛ لأن المعهود أن الأضحية كانت في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأحياء، والأموات تبع لهم، ولا نعلم أنه ضحى عن الميت وحده في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولذلك اعتمد من يجيزون الأضحية عن الميت وحده بدون وصية منه، على قياس الأضحية على الصدقة، حيث إن الكل عبادة مالية.
قال ابن العربي المالكي في شرح صحيح الترمذي (6/290): اختلف أهل العلم هل يضحي عن الميت مع اتفاقهم على أنه يتصدق عنه والأضحية ضرب من الصدقة لأنها عبادة مالية وليست
كالصلاة والصيام. اهـ
والخلاصة: أن الأضحية عن الميت وحده بدون وصية منه لا أعلم فيها نصًّا صريحًا بعينها، لكن لو فعلت فأرجو ألا يكون بها بأس، إلا أن الأفضل والأحسن أن يجعل المضحي الأضحية عنه وعن أهل بيته الأحياء والأموات ؟ اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفضل الله واسع، يكون الأجر بذلك للجميع إن شاء الله تعالى.
وأما قول بعض الذين ينتسبون للعلم عندكم: (إن الصدقة لا تصح للموتى إلا أن تكون صدقة جارية). فهذا غير صحيح، فإن الصدقة للموتى تصح ويصل إليهم ثوابها إذا كانت خالصة لله تعالى
ومن مال طيب، سواء كان جارية أم منقطعة، فقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : «إن أمي افتلتت نفسها، أي: ماتت فجأة، وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها ؟ قال: نعم»، وروى نحوه مسلم من حديث أبي هريرة.
ففي هذا الحديث دليل على جواز الصدقة عن الميت مطلقا، وأن له بذلك أجراً سواء كانت الصدقة الجارية أم منقطعة.
ولعل الذين توهموا أن الميت لا ينفعه إلا الصدقة الجارية فهموا ذلك من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم. وليس في هذا الحديث دلالة على ما توهموه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «انقطع عمله» ولم يقل: (انقطع العمل له)، ثم إن هذا الحديث الذي استندت إليه هؤلاء فيما فهموا منه، ليس على عمومه بالنص والإجماع، إذا لو كان على عمومه لكان الميت لا ينتفع بغير دعاء ولده له، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على انتفاع الميت بدعاء غير ولده له، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾[الحشر: 10]، والذين سبقوهم بالإيمان في هذه الآيات هم المهاجرون والأنصار، والذين جاءوا من بعدهم شامل لمن بعدهم إلى يوم القيامة، فهم يدعون بالمغفرة لهم وإن لم يكونوا من أولادهم، وينفعهم ذلك، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أغمض أبا سلمة - رضي الله عنه - حين مات وقال: «اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه، وافسح له في قبره، ونوِّر له فيه».
وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي على أموات المسلمين ويدعو لهم، وصح عنه أنه قال: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئًا إلا شفَّعهم الله فيه»، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يزور المقابر، ويدعو لأهلها، ويأمر أصحابه بذلك.
فهذه دلالة الكتاب والسنة على انتفاع الإنسان بدعاء غير ولده له، وأما الإجماع فقد أجمع المسلمون على ذلك إجماعًا قطعيًّا، فما زالوا يصلون على موتاهم ويدعون لهم وإن لم يكونوا من آبائهم، وكذلك صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، وليس ذلك من الصدقة الجارية، ولا من العلم، ولا من دعوة الولد.
وكذلك صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من مات وعليه صيام صام عنه وليه»، ووليه وارثه سواء كان ولدًا أم غيره، لقوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله﴾[الأنفال: 75]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر» متفق عليه.
والصيام عبادة بدنية، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بصومه عن الميت وهو دليل
على أنه ينتفع به، وإلا لم يكن للأمر به فائدة.
والأمثلة أكثر من هذا ولا حاجة لاستيعابها إذ المؤمن يكفيه الدليل الواحد.
والمقصود أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «إذا مات الإنسان انقطع عمله» إلى آخر الحديث إنما يعني به عمل نفسه لا عمل غيره له ؟ ولهذا قيد الصدقة بالجارية لتكون مستمرة له بعد الموت، وأما عمل غيره له فقد عرفت الأمثلة والأدلة على انتفاعه به سواء من الولد أو غيره، ولكن مع ذلك لا ينبغي للإنسان أن يكثر من إهداء العمل الصالح لغيره ؟ لأن ذلك لم يكن من عادة السلف وإنما يفعله أحيانًا.
وأما قول بعض المنتسبين للعلم عندكم: (إنه ما يصح الحج للميت إلا إذا كان ما قضى فرضه فهو يحج عنه)، فهذا موضع خلاف بين العلماء، والمشهور من مذهب الإمام أحمد- رحمه الله - أنه يجوز أن يحج عن الميت الفرض والنفل؛ لحديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - ، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: لبيك عن شبرمة، قال: ومن شبرمة ؟ قال: أخ لي. أو قريب لي، قال: أحججت عن نفسك ؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة»، قال في الفروع (3/265) ط آل ثاني: إسناده جيد، احتج به أحمد في رواية صالح، قال البيهقي: إسناده صحيح. ومن العلماء من أعله بالوقف، لكن الرافع له ثقة وهو يدل بعمومه على جواز حج النفل عن الميت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستفصل هذا الرجل عن حجه عن شبرمة هل هو نفل أو فرض، وهل كان شبرمة حيًّا أو ميتًا، قالوا: وإذا جاز أن يحج عنه الفرض بالنص الصحيح الصريح ما المانع من النفل، فإن جواز حجة الفرض عنه دليل على أن الحج لا تمتنع فيه النيابة، وهذا لا فرق فيه بين الفرض والنفل إذا كان الذي يحج عنه ميتًا أو عاجزًا عجزًا لا يرجى زواله، أما القادر أو العاجز عجزًا يرجى زواله فلا يوكل من يحج عنه.
هذا ما لزم، والله يحفظكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 1/15/1455هـ .
المصدر:
الشيخ ابن عثيمين من مجموع الفتاوى(25/26- 33)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟