الأربعاء 16 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 23-03-2020

أقسام التوسل

الجواب
التوسل اتخاذ الوسيلة؛ والوسيلة (كل ما يوصل إلى المقصود) فهي من الوصل؛ لأن الصاد والسين يتناوبان كما يقال: صراط، وسراط، وبصطة، وبسطة.
والتوسل في دعاء الله تعالى أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سببًا في قبول دعائه، ولا بد من دليل على كون هذا الشيء سببًا للقبول؛ ولا يعلم ذلك إلا من طريق الشرع؛ فمن جعل شيئًا من الأمور وسيلة له في قبول دعائه بدون دليل من الشرع فقد قال على الله ما لا يعلم؛ إذ كيف يدري أن ما جعله وسيلة مما يرضاه الله تعالى، ويكون سببًا في قبول دعائه؟! والدعاء من العبادة؛ والعبادة موقوفة على مجيء الشرع بها. وقد أنكر الله تعالى على من اتبع شرعًا بدون إذنه، وجعله من الشرك فقال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾[الشورى: 21] وقال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[التوبة: 31]
والتوسل في دعاء الله تعالى قسمان:
القسم الأول: أن يكون بوسيلة جاءت بها الشريعة وهو أنواع.
النوع الأول: التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته، وأفعاله، فيتوسل إلى الله تعالى بالاسم المقتضي لمطلوبه، أو بالصفة المقتضية له، أو بالفعل المقتضي له: قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾[الأعراف: 180] فيقول: اللهم يا رحيم ارحمني، ويا غفور اغفر لي، ونحو ذلك؛ وفي الحديث عن النبي-صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي». وعلم أمته أن يقولوا في الصلاة عليه: «اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم».
النوع الثاني: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته كقوله تعالى عن أولي الألباب: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا﴾[آل عمران: 193] وقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا﴾[المؤمنون: 109].
وقوله عن الحواريين: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾[آل عمران: 53]
النوع الثالث: أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره، وحاجته، كقول موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾[القصص: 24].
النوع الرابع: أن يتوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته كطلب الصحابة -رضي الله عنهم- من النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يدعو الله لهم مثل قول الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي-صلى الله عليه وسلم- يخطب، فقال: ادع الله أن يغيثنا؛ وقول عكاشة بن محصن للنبي-صلى الله عليه وسلم-: ادع الله أن يجعلني منهم.
وهذا إنما يكون في حياة الداعي، أما بعد موته فلا يجوز؛ لأنه لا عمل له؛ فقد انتقل إلى دار الجزاء؛ ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لم يطلبوا من النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يستسقي لهم؛ بل استسقى عمر بالعباس عم النبي-صلى الله عليه وسلم- فقال له: قم فاستسق؛ فقام العباس فدعا، وأما ما يروى عن العتبي أن أعرابيًا جاء إلى قبر النبي-صلى الله عليه وسلم- فقال: (السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾[النساء: 64] وقد جئتك مستغفرًا من ذنوبي مستشفعًا بك إلى ربي) وذكر تمام القصة؛ فهذه كذب لا تصح؛ والآية ليس فيها دليل لذلك؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾[النساء: 64] ولم يقل: (إذا ظلموا أنفسهم) وإذ لما مضى لا للمستقبل؛ والآية في قوم تحاكموا، أو أرادوا التحاكم إلى غير الله، ورسوله، كما يدل على ذلك سياقها السابق، واللاحق.
القسم الثاني: أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان:
أحدهما: أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع، كتوسل المشركين بآلهتهم؛ وبطلان هذا ظاهر.
الثاني: أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع: وهذا محرم؛ وهو نوع من الشرك، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جاه عند الله، فيقول: (أسألك بجاه نبيك): فلا يجوز ذلك؛ لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع، ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعاء؛ لأنه لا يتعلق بالداعي، ولا بالمدعو؛ وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده، فليس بنافع لك في حصول مطلوبك؛ أو دفع مكروبك، ووسيلة الشيء ما كان موصلًا إليه؛ والتوسل بالشيء إلى ما لا يوصل إليه نوع من العبث، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك وبين ربك، والله الموفق.
المصدر:
مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين(2/340-343)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟