السبت 11 شوال 1445 | آخر تحديث قبل 2 ساعات
0
المشاهدات 1308
الخط

أغضبته زوجته فطلقها طلقة ثم بعد كلام طلقها مرة أخرى فهل يقع عليه طلاق؟

السؤال:

تشاجرت أنا وزوجتي قبل مدة، فقلت لها: طالق؛ لأجل أن تسكت، فقالت كلمة ثانية، وكنت غاضبًا جدًّا من كلامها، فقلت لها مرة أخرى: طالق، ومكثت مدة لا أتكلم معها، أما اليوم فإني أتكلم معها في أغراض البيت، أو إذا لزم شيء للأولاد، ولا يوجد شيء غير هذا، فما الحكم في هذا أفيدونا ولكم الشكر؟ 

الجواب:

الله جلّ وعلا شرع لعباده الطلاق؛ ليتخلص كل واحد من الزوجين من صاحبه، إذا لم تستقم الحال، ولم يحصل ما يقيم العلاقة على الوجه المرضي، وجعله سبحانه ثلاثًا؛ ليراجع بعد الأولى، وبعد الثانية، وليس له الرجعة بعد الثالثة، وحرم إيقاعه بالثلاث جميعًا، بل يكون واحدة بعد واحدة، كما قال جل وعلا: ﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾[البقرة: 229]، فإذا طلقها طلقة واحدة، فله مراجعتها ما دَامت في العدة، ثم إذا راجعها، بقيت على حالها زوجة شرعية، كحالها الأولى، فإن طلقها الثانية، فله مراجعتها أيضًا، من دون عقد نكاح، كما الطلقة الأولى، فأنت أيها السائل طلقتها طلقتين، فلك المراجعة، ما دامت في العدة، ما دامت لم تحض ثلاث حيضات، بعد الطلقة الأولى، ولا تزال زوجة لك، حتى تطلقها الطلقة الثالثة، هذا إذا كان الغضب خفيفًا، أما إذا كان الغضب شديدًا، حصل بينكما تنازع شديد، وكلمات جارحة، منها شديدة، حتى اشتد غضبك، ولم تملك نفسك للإمساك عن الطلاق، فهذا الطلاق حينئذ عند الغضب الشديد، لا يقع على الصحيح، من أقوال العلماء، والغضب ثلاثة أحوال، الناس في الغضب لهم ثلاثة أحوال: إحداها أن يشتد الغضب حتى يفقد الشعور، ويكون كالمجنون والمعتوه، فهذا لا يقع طلاقه عند جميع أهل العلم؛ لأنه بمثابة المجنون والمعتوه، زائل العقل، هذا لا يقع طلاقه، إذا زال عقله من شدة الغضب، ولم يملك نفسه، ولم يضبط ما يقول، ولم يحفظ ما يقول، الحال الثاني: أن يشتد معه الغضب، ولكنه يفهم ما يقول ويعقل، إلاّ أن الغضب اشتد معه كثيرًا، ولم يستطع أن يملك نفسه، بطول النزاع أو المسابّة والمشاتمة، أو المضاربة، فاشتد غضبه لأجل ذلك، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، والأرجح أنه لا يقع أيضًا، فإن كان غضبه من هذا القبيل، فالطلاق غير واقع، وإن كان غضب من الحال الثالثة، وهي غضب خفيف، الذي يحصل من التكدر من الزوج، وكراهة لما وقع من المرأة، ولكنه لم يشتدّ معه شدة كبيرة، تمنعه من التعقّل وضبط نفسه، بل هو غضب عادي خفيف، فهذا يقع معه الطلاق عند جميع أهل العلم، لكن إذا كانت المرأة في حال حيض عند الطلاق، أو في حال نفاس، أو في حال طهر، قد جامعها فيه، فجمهور أهل العلم يرون وقوع الطلاق، مع الإثم؛ لأن الطلاق يجب أن يكون في طهر لم تجامعها فيه، أو في حال حمل، هذا هو الطلاق الشرعي، أن تكون المرأة حاملاً، أو في طهر لم تجامعها فيه، فإن كانت في طهر جامعتها فيه، أو في حال حيض أو نفاس، فقد اختلف العلماء في ذلك، فجمهور أهل العلم يرون أنه يقع الطلاق مع الإثم، والقول الثاني أنه لا يقع؛ لأنه طلاق غير شرعي، ولم يصادف الحال التي شرع الله فيها الطلاق، فلم يقع وهذا القول هو الأرجح من حيث الدليل؛ لما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنمها- ، «أنه طلّق امرأته وهي حائض، فأنكر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ذلك، وأمره بالمراجعة، وأن يمسكها، حتى تطهر من حيضها، التي هي فيه، ثم تحيض، ثم تطهر بعد ذلك، ثم إن شاء طلّق، وإن شاء أمسك»، فهذا ظاهر بأن طلاقه لم يقع، كما قال جمع من أهل العلم؛ لكون الرسول أمره بالمراجعة، ثم بالإمساك حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم قال: «فإن شئت فأمسكها، وإن شئت فطلقها، قبل أن تمسَّها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلَّق لها النساء» يعني في قوله سبحانه: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾[الطلاق: 1] ، فهذا يدل على أن الطلاق في طهر جامعها فيه، أو في حيض أو نفاس، طلاق غير شرعي، وطلاق في العدة التي لم يأمر الله بالطلاق فيها، وهذا هو المختار، وإن كان خلاف قول الجمهور، فأنت أعلم بنفسك، وما جرى عليك حين الطلاق، فإن كان الغضب اشتد معك، شدة واضحة قوية؛ لقوة النزاع بينكما، وسوء الكلام الذي صدر منها، حتى لم تملك نفسك، أو كانت في طهر جامعتها فيه، أو حيض، فالطلاق غير واقع، أما إن كانت في حال حمل أو في حال طهر لم تجامعها فيه، كان الغضب ليس بشديد، كان غضبًا عاديًّا فإن الطلاق واقع، قد مضى عليها طلقتان، ولك مراجعتها، ما دامت في العدة، فإذا طلقتها بعد هذا مرة ثالثة، حرمت عليك، حتى تنكح زوجًا غيرك، والواجب على المؤمن أن يتقي الله في كل شيء، وأن ينظر في الأمر، إذا أراد الطلاق، لا يعجل في الطلاق، ينظر فإن كانت الزوجة مستقيمة الحال، فلا وجه للطلاق، ولا ينبغي الطلاق، وهكذا إذا أمكن التعديل، وأمكن العلاج، فلا تنبغي العجلة في الطلاق، ثم إذا عزم على الطلاق، فلينظر هل هي في طهرٍ، لم يجامعها فيه، وهل هي حامل، فلا بأس بالطلاق إذا كانت في طهرٍ لم يجامعها فيه، أو في حال حمل، أما إن كانت في طهرٍ جامعها فيه، أو في حال حيض أو نفاس، فلا يجوز الطلاق، فالواجب على المؤمن أن ينظر في هذه الأمور، ولا يعجل، في طلاقه لأهله، بل ينظر ويتأمل، وينظر في العواقب، ولا يعجل، ثم ينظر في حال المرأة، هل هي حبلى، أو في طهرٍ لم يجامعها فيه، حتى يطلق على بصيرة وحتى يكون طلاقه طلاقًا شرعيًّا، موافقًا لما جاء به النص. 

المصدر:

الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب(22/65- 69)

أضف تعليقاً