السبت 26 شوّال 1445 هـ

تاريخ النشر : 24-03-2020

هل يقع الطلاق البدعي؟

الجواب
الطلاق البدعي يكون في الزمان، ويكون في العدد، أما في العدد فهو أن يطلق ثلاثًا بكلمة واحدة، فيقول طالق بالثلاث، أو بكلمات يقول: طالق ثم طالق ثم طالق، أنت طالق أنت طالق أنت طالق، أو أنت طالق وطالق وطالق، أو تراك طالق تراك طالق تراك طالق، هذا بدعي، والسنة أن يطلق واحدة فقط، هكذا السنة، ولا يزيد عليها؛ لأنه قد يندم فيتراجع، ولا يغلق الباب على نفسه، ولأن الله شرع الطلاق واحدة بعد واحدة لا دفعة واحدة؛ لأن الإنسان قد يغضب، قد يبدو له حال فيطلق ثم يندم ويرى أنه قد غلط، فيراجع إذا لم يطلق بالثلاث، ولكن اختلف العلماء في إيقاع الثلاث بكلمة واحدة، هل تقع وتكون بائنًا من زوجها بذلك أم لا يقع به إلا واحدة، أم لا يقع بالكلية، جمهور أهل العلم أنه يقع وأنه تكون به المرأة بائنًا لا تحل لمطلقها إلا بعد زوج، وبعد إصابة لها اتباعًا لعمر حين قضى بذلك -رضي الله عنه- ، ويذهب بعض أهل العلم من التابعين ومن بعدهم، وهو رواية عن ابن عباس -رضي الله عنمها- ، ويروى عن علي والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف أنها تحسب واحدة، رجعية؛ لما ثبت من حديث ابن عباس -رضي الله عنمها- : «أنه سأله أبو الصهباء، فقال يا ابن عباس، ألم تكن الثلاث تُجعل واحدة في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ، وعهد أبي بكر، وفي أول خلافة عمر؟ فقال ابن عباس: بلى» احتج هؤلاء العلماء بهذا الحديث على أن التطليق بالثلاث كلمة واحدة، يُعتبر واحدة، وهذا رواية ثابتة عن ابن عباس: أن هذا يعتبر واحدة، إذا وقعت بلفظ واحد، أما إذا وقعت بألفاظ مثلاً: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، أو تراك طالق، تراك طالق تراك طالق، وأنت طالق وطالق وطالق، وما أشبه ذلك، فهذا الذي أعلم عن أهل العلم أنها تقع الثلاث كلها، وتبين بها المرأة بينونة كبرى، لا تحل بها المرأة لزوجها المطلق إلا بعد زوج وإصابة، ولا أعلم إلى وقتي هذا أحدًا من الصحابة أو من التابعين رح بأن هذا لا يقع به إلا واحدة، بل ظاهر ما سمعت وقرأت أنه يقع كله، تقع الثلاث كلها، وقد رأى شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : أنه لا يقع إلا واحدة، كمن طلق بالثلاث بكلمة واحدة، وجعل هذا مثل هذا وجعل الطلاق الذي يقع بعد الأولى، إنما يكون بعد نكاح أو بعد رجعة، أما إذا ألحقها الثانية والثالثة بدون رجعة فهذا لا يقع، هذا كلامه - رحمه الله - ، ولكني لا أعلم له أصلاً واضحًا يعتمد عليه من جهة النقل، وإن كان وجيها من جهة المعنى، لكن لا أعلم له أصلاً من جهة النقل؛ ولهذا فالذي أفتي به أنها تقع الثلاث على ظاهر ما نقل عن السلف الصالح في هذا، وإنما تعتبر الثلاث المجموعة طلقة واحدة إذا كانت بلفظ واحد. أنت طالق بالثلاث، أو فلانة مطلقة بالثلاث، أو ما أشبه هذه الألفاظ، على ما جاء عن ابن عباس، إذا كانت بلفظ واحد، أما البدعي من جهة الزمان من جهة حيض المرأة فهو إذا كانت في الحيض أو في النفاس أو في طهرٍ جامعها فيه، هذا يقال له: طلاق بدعيّ، والأصل في ذلك ما رواه ابن عمر -رضي الله عنمها- ، أنه طلّق امرأته وهي حائض، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم- ، بلّغه عمر، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم- : مره، قال لعمر: «مره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك، قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾[الطلاق: 1]، وبهذا يعلم أن ابن عمر طلق في حيض، لا في طهر جامعها فيه، كما قال السائل، ابن عمر طلقها في الحيض، لا في طهر جامعها فيه، والرسول - صلى الله عليه وسلم- أرشده إلى أن الطلاق يكون في طهر لم يجامعها فيه، هذه السنة، أو في حال حمل؛ ولهذا في اللفظ الآخر: فليطلقها طاهرًا أو حاملاً، فالطلاق السني أن يكون في حال طهر لم يجامعها فيه، أو في حال استبانة حملها وظهور حملها، هذا هو الطلاق الشرعي، أما طلاقها وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه ولم يستبن حملها، فهذا يسمى طلاقًا بدعيًّا في هذه الثلاثة المواضع: في حال النفاس، وحال الحيض، وفي حال طهر جامعها فيه ولم يستبن حملها، هذه الثلاث الحالات، الطلاق فيها بدعي، والحالان الأوليان سني: في كونها طاهرًا لم يجامعها في فرجها، وفي حال كونها حاملاً وقد استبان حملها، هاتان الحالتان، الطلاق فيهما سني لا بدعي، أما الحالات الثلاث: الحيض، والنفاس، وحالة الطهر التي جامعها فيه، فهذه الطلاق فيها بدعي، لا يجوز للزوج أن يطلق في هذه الأحوال الثلاث، لا في حال الحيض، ولا في حال النفاس، ولا في حال الطهر الذي جامعها فيه، وإذا أراد أن يطلق، يسألها يقول: ما هي حالها؟ ويتثبت في الأمر، ولا يطلق في حال الغضب؛ لأن الغضبان ضعيف البصيرة، الذي ينبغي له ألاّ يطلق في حال الغضب، بل يتثبت في الأمر، ولا يعجل، ويتعوذ بالله من الشيطان في حال الغضب، ثم إذا عزم على الطلاق ينظر إن كانت في حيض، أو في نفاس، أو في طهر جامعها فيه، فلا يطلق، وهذا من رحمة الله؛ لأنه سبحانه يحب أن تبقى الزوجية ويكره الطلاق، وفي الحديث: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» فمن رحمة الله أن ضيق طرق الطلاق وجعله واحدة فقط السنة وجعله لا يقع إلا في حالتين: حال الطهر الذي لم يجامعها فيه، وحال ظهور حملها، أما في حال الحيض والنفاس والطهر الذي جامعها فيه فينهى عن الطلاق، فهذا من تيسير الله ومن تضييق مسالك الطلاق ووجوه الطلاق حتى تبقى الزوجية أكثر.
ولما اختلف العلماء في هذا هل يقع الطلاق البدعي أم لا يقع؟ فإنه اتضح لي أنه محرم لا يجوز للزوج أن يقدم عليه، لكن هل يقع إذا أقدم وعصى ربه وفعل، هل يقع أم لا يقع؟
على قولين: أحدهما أنه يقع مع الإثم وهذا هو المشهور عند العلماء وهو الذي فعله ابن عمر لمَّا أوقع على نفسه طلقة لما طلَّق، لما سئل كيف عجلت واستحمقت، قال: مه قال نافع وغيره: إنه أوقعها احتسبها، وروى البخاري أنه احتسب تطليقة عليه، وذهب جمع من أهل العلم إلى أن هذا الطلاق لا يحتسب ولا يقع وهو مروي عن ابن عمر نفسه -رضي الله عنه- ، روى عنه محمد بن عبد السلام الخشني الحافظ المشهور بسند جيد أنه سئل ابن عمر عن طلقة زوجته وهي حائض هل يقع؟ قال لا يقع، قال لا يعتد به، وجاء هذا عن خلاس بن عرض الحجري، وعن طاوس وآخرين أنه لا يقع؛ لأنه محرم فلا يقع؛ لأن ما نهى الله عنه فهو جدير بعدم الإيقاع؛ ولهذا البيع المنهي عنه فاسد، والنكاح المنهي عنه فاسد لا يقع، فهكذا الطلاق المنهي عنه، لا يقع بخلاف الطلاق الثلاث، فإنه يحتسب واحدة، تقع منه واحدة كما تقدم، إذا كان بلفظ واحد، وهذا القول الذي رآه بعض أهل العلم، وإن كان خلاف المشهور، وخلاف الأكثر، هذا القول أظهر في الدليل، وأقوى في الدليل أنه لا يقع لكونه بدعيًّا على خلاف أمر الله، والله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾[الطلاق: 1]، وهو طلقها في غير العدة، فلا يقع طلاقها، يكون عملا ليس عليه أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم- ، فيكون مردودًا، قال -عليه الصلاة والسلام- : «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» يعني فهو مردود، وهذا هو الأظهر.
المصدر:
الشيخ ابن باز من فتاوى نور على الدرب (22/11-17)

هل انتفعت بهذه الإجابة؟